ولقيت بها الشّيخ ، الجليل ، الفاضل ، العالم ، المسنّ [١] ، المسند ، بقيّة السّلف ، وقدوة الخلف ، ذا الدّين المتين ، والمنهج الواضح المستبين. صالح العلماء وعالم الصّلحاء أبا القاسم بن حمّاد [٢] بن أبي بكر الحضرميّ اللّبيديّ نفع الله به ، وهو أوحد وقته علما ودينا واجتهادا ، ومواظبة ، وحسن ظنّ ، وغزارة دموع ؛ معدوم [٣] النّظير في عصره ، لا يفتر [٤] من العبادة ولا يتوانى عن شهود الصّلاة في الجماعة ، وحضور المجلس لإسماع العلم مع فادح [٥] ضعفه ، وفرط شاخته ، وضرارة بصره ؛ لا يتخلّف عن المسجد ليلا ولا نهارا ، ولا يقطع إسماع العلم وتعليمه ، وإقراء [٦] القرآن ، وقد أبلت التّسعون بدنه ، ونهكت قواه ، وحفظ عليه ذهنه حفظا تاما. وأمّا أخلاقه ، وتواضعه ، وقوّة رجائه ، فغاية في بابه ، وكنت اجتمعت به أوّل ما لقيته في مسجد إقرائه. قبل صلاة الصّبح [٧] مع بعض الفقراء ممّن يعرفه ، فسلّمنا عليه ودار بيننا كلام يسير [٨] ، فأقبل على الفقير وقال له : هذا رجل عاقل ، وما زال يواليني من برّه واعتنائه بما يليق بالفضلاء أمثاله ، وما أتيته [٩] قطّ إلّا هشّ إليّ [١٠] عندما