وكانت إقامتنا بالقدس [١] خمسة أيّام ، ثم زرنا ثغر عسقلان [٢] ـ جبره الله ـ وهو خراب يباب [٣] لا أنيس به ، إلّا أطلالا ماثلة ، [٤] ورسوما داثرة [٥] ، وآثارا طامسة ، تؤثر في القلب تباريح الأسى ، وتعيد المشرق من أنسه حندسا [٦] ، تحثّ المبصر على إعمال العبرة ، وإسبال الجفون بوابل العبرة ، تذكر بمن مضى وانقضى ، وتضرم في الجوانح جمر الغضى [٧] ، وتهون على العاقل شأن هذه الدّار ، وتنادي : الحذر الحذر ، والبدار والبدار [٨] ؛ لما دلّت عليه من ضخامة شأن [٩] الرّاحلين منها ، وفخامة الظّاعنين المنزعجين [١٠] عنها ؛ لم تحمهم تلك القصور العالية ، ولا وقتهم تلك المباني السّامية ، بل صاروا ترابا وهي خرابا ، وعادوا أمواتا وهي مواتا [١١] ، تندبهم تلك الطّلول الدّراسة ، وتندر [١٢] ما حلّ بهم تلك الطّلول الطّامسة ، فتلك الآثار أسطار في ديوان البلى مقروّة ، وتلك الصّور سور في نوائب [١٣] الدّنى متلوّة. عجبا لها لما استعجمت أبانت ،
[٢] عسقلان مدينة بالشام من أعمال فلسطين على ساحل البحر بين غزة وبيت جبرين ، ويقال لها عروس الشام. انظر ياقوت ٤ / ١٢٢ وانظر ما كتب عنها في الأنس الجليل ٢ / ٣٣.