قعد على الأولى ووضع رجليه على الأرض ، وفعل ذلك عثمان صدرا من خلافته ، ثمّ ترقّى إلى الثّالثة. ولمّا رجع الأمر إلى معاوية أراد نقل المنبر إلى الشّام ، فضجّ المسلمون ، وعصفت [١١٧ / ب] ريح هائلة ، وخسفت الشّمس حتّى بدت النّجوم ، وأظلمت الأرض حتّى كان الرّجل يصادم الرّجل ، ويناطح الجدار ، لا يرى مسلكا. فلما رأى ذلك تركه. وزاد ستّ درجات من أسفله [١] فصار تسعا [٢]. ولما وقع الحريق بالمسجد احترق المنبر حتّى لم يبق منه ، إلّا قطعة عود فصنع منبر آخر ساج [٣] ـ وهو الّذي في المسجد الآن ـ وجعلت تلك القطعة في داخله بإزاء نقب يدخل منه النّاس أيديهم فيمسحونها تبرّكا بها. وكان بين موضع [٤] المنبر وبين حائط القبلة قدر ذراع ، فلمّا زيد في القبلة بقي المنبر بموضعه إلى الآن ، وما أعلم أنّي صلّيت أمامه في الصّفّ الأوّل ، لأنّي استعظمت أن أتقدّم مصلّى رسول الله 6 وأوليه ظهري.
وفي حائط المحراب أمام المصلّى على نحو القامتين ، أو أقلّ يسيرا ، شكل ناتىء [٥] أكحل برّاق [٦] أملس كأنه رأس خشبة أبنوس مخروط ، وقد ذكر صاحب كتاب المدينة أنّه عود كان في جدار القبلة ، وكان رسول الله 6 يتمسّك به إذا أقيمت الصّلاة ، ثم يلتفت يمينا وشمالا ويقول «سوّوا صفوفكم [أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم] [٧]» فإذا استوت كبّر [٨]. فلما توفي رسول الله 6
[٦] أخرجه أبو داود في الصلاة ، باب تسوية الصفوف رقم ٦٦٢ بخلاف في اللفظ وابن حنبل ٤ / ٢٧٩ بخلاف في اللفظ ، وابن ماجه في إقامة الصلاة ـ باب تسوية الصفوف رقم ٩٩٤ وحلية الأولياء ٩ / ٣٢ وكنز العمال ٧ / ٦٢٩.