وفي ضحى يوم الاثنين الثّامن والعشرين من ذي الحجّة ، وصلنا إلى معهد الفضائل المشهورة ، ومعقد ألوية الدّين المنشورة ، ومحتد المآثر المذكورة المأثورة ، مجمع محاسن الدّارين ، ومنبع مفاخر العصرين ، ومطلع سعادة الثّقلين. روضة أزهار الأنام [١] ، ومشرق أنوار بدر التّمام ، وحمى كرم ما حام حوله حام ، ولا سام بصفقته سام ، حمى آدم فآدم عيشه القشف [٢] بإكرام ، وأولاه مناه ، ولولاه لاستمرّ أذاه ودام ، ولا غرو أن كان أباه وقد أسماه عليه الله [٣] ، فالنّور من النّبت ، والقطر من الغمام. كم حوى من فخر محلّ حواه ، كم نال من أثر آثر رؤاه [٤] ، علا على كل شرف شرف [٥] إليه منتماه ، بل علت به الوهاد على الآكام. محلّ [٦] غدا لبدر الفضائل هالة ، منزل إن نازله وصّاف بالوصف هاله ، قصاراي [٧] القصور ولو كنت ابن أبي هالة [٨] ، وضجّت من طول وصفي الأقلام. لولا شرفه أطرق طرف [٩] الأماكن ، ولولا كرمه لم تكن
[٨] قال السّهيلي : «أبو هالة : هند بن زرارة ، زوج خديجة قبل رسول الله 6. وابنه اسمه هند أيضا مات بطاعون البصرة ، وكان قد مات في ذلك اليوم نحو من سبعين ألفا فشغل الناس بجنائزهم عن جنازته فلم يوجد من يحملها ، فصاحت نادبته : واهند بن هنداه ، واربيب رسول الله 6 ، فلم تبق جنازة إلا تركت ، واحتملت جنازته على أطراف الأصابع إعظاما لربيب رسول الله».