على نحو عشرة أميال منها ويعرف بالبركة. صحراء لا أنيس بها ، وعادة الرّكب النزول بها ليتلاحق [١] النّاس وربّما أقاموا بها يومين أو ثلاثة ، وفيها آبار طيّبة ، وتقوم بها سوق عظيمة يستتمّ بها [٢] الحجّاج جهازهم. فلمّا تلاحق الرّكب واستتبّ السّفر ، رحلنا في الضّحى الأعلى من يوم الثّلاثاء الثّامن عشر من شهر شوّال مستقبلين للبريّة الكبيرة : بريّة ما بين الحجاز ومصر ، وهي مسيرة أربعين يوما ، وما بها مستعتب إلّا في ينبع وفي بدر ، فإنّ بهما عمارة هي أشبه شيء بالخلاء والورود في جميعها ربعا [٣] وغبّا [٤] ، والرّبع هو الغالب ، وليس في البراري أطول منها ولا أقفر [٥]. أرضها في نهاية الحروشة [٦] لا يمكن أحدا فيها المشي بغير مداس البتّة. وفيها قوم من العرب ، صعاليك ينتقلون فيها من موضع إلى موضع مالهم قوت إلّا ما يمتارونه [٧] من بعيد ، فهم الدّهر كلّه في جهد وفرط شظف [٨]. وقلّما يظهرون للرّكب لخبث أفعالهم ، وعدم ما يعاملون به ، وإنّما يتطرّفون [٩] الرّكب [١٠] ويطالعونه من كلّ مرقب ، فإذا رأوا متخلّفا عنه لغفلة ، أو نوم ، أو انقطاع عجز ، انقضّوا عليه فمزّقوا أشلاءه ، ولو لم يجدوا عليه إلّا خرقة واحدة لم يتركوها له. ولو لا صاحب