ومن الأمر المنكر عليهم ، والنّكر المألوف لديهم ، تدارسهم لعلم الفضول ، وتشاغلهم بالمعقول عن المنقول ، في إكبابهم على علم المنطق ، واعتقادهم أنّ من لا يحسنه ، لا يحسن أن ينطق ، فليت شعري هل قرأه الشّافعيّ ومالك ، أو هو أضاء لأبي حنيفة [١] المسالك. وهل عاركه أحمد بن حنبل [٢] ، أو كان الثّوريّ [٣] على تعلّمه قد أقبل ، وهل استعان به إياس [٤] في ذكائه ، أو بلغ به عمرو [٥] ما بلغ من دهائه. أو تمرّس به قسّ وسحبان [٦] ، ولولاه ما أفصح أحد منهما [٧] ولا أبان. أترى عقول القوم كليلة. إذ لم تشحذ على مسنّه ، أترى فطنهم عليلة لمّا لم تكرع [٨] في أجنه [٩] عجبا كيف رويت قرائحهم ولم تمطر بعارض دجنه [١٠] ، كلّا هي أشرف من أن تقيّد في سجنه. وأشفّ من أن يستحوذ [١١] عليها طارق جنّه. تالله لقد أغرق القوم فيما لا يعنيهم ، وأظهروا
[١] النعمان بن ثابت التّميميّ بالولاء فقيه ، صاحب المذهب الحنفي توفي سنة ١٥٠ ه.
[٢] أحمد بن حنبل : إمام المذهب الحنبلي ، توفي سنة ٢٤١ ه.
[٣] هو سفيان بن سعيد بن مسروق : مفسّر محدّث ، كان عالم هذه الأمة. وعابدها وزاهدها ولد ونشأ بالكوفة وتنقّل بين المدن إلى أن توفي بالبصرة سنة ١٦١ ه. له تفسير القرآن الكريم ، ترجمته في سير أعلام النبلاء : ٧ / ٢٢٩ ، ومصادرها ثمة.
[٤] هو إياس بن معاوية : قاضي البصرة ضرب به المثل في الذكاء والفطنة توفي سنة ١٢٢ ه ترجمته في وفيات الأعيان ١ / ٢٤٧ ـ ثمار القلوب ٧٢.
[٥] عمرو بن العاص : أحد عظماء العرب ودهاتهم فاتح مصر توفي سنة ٤٣ ه. ترجمته في الإصابة ٣ / ٢ ـ الاستيعاب ٢ / ٥٠٢.
[٦] قس بن ساعدة الإيادي وسحبان وائل فصيحان من فصحاء العرب يضرب بهم المثل في البلاغة.