وبعد : فإنّي قاصد بعد استخارة الله سبحانه. إلى تقييد ما أمكن تقييده ، ورسم ما تيسّر رسمه وتسويده ، [١] ممّا سما إليه النّاظر المطرق ، في خبر الرّحلة إلى بلاد المشرق ، من ذكر بعض أوصاف البلدان ، وأحوال من بها من القطّان ، حسبما أدركه الحسّ والعيان ، وقام عليه بالمشاهدة شاهد البرهان ، من غير تورية ولا تلويح ، ولا تقبيح حسن ولا تحسين قبيح ، بلفظ قاصد لا يحجم معرّدا ، [٢] ولا يجمح فيتعدّى المدى ، مسطّرا لما رأيته بالعيان ، ومقرّرا له بأوضح بيان ، حتّى يكون السّامع لذلك كالمبصر ، وتلحق فيه السّبّابة [٣] الخنصر ، فتشفى [به][٤] نفس المتطلّع [٥] المتشوّف ، ويقف منه على بغيته السّائل المتعرّف. وأذكر مع ذلك ما [٦] استفدته من خبر ، أو أنشدته من درر ، ما أنظم في أوراق [٧] متبدّده ، وأعقل بعقال الخطّ متشرّده ، وأثبت في خلال ذلك من نظمي ما يتغلغل إليه الكلام ، أو تجنح إلى تحصيله ضوامر [٨] الأقلام ، وأضيف إلى ذلك ما يضطرّ إليه التّبيان ، [٩] فيما قصّر فيه العيان ، من نبذ مذكورة ، ونتف مشهورة ، ونكت مرسومة [١ / ب] في الكتب مسطورة ، تتميما لغرض التّقييد ، وتعميما لأرب المستفيد ، حتّى يكون التأليف في بابه مغنيا ، وعن الافتقار إلى غيره مستغنيا ، مثبتا في كلّ رسم بعض الأحاديث