أسلافهم فسيح الأوقات. وقلّما يصدر من صبيانهم ما يصدر منهم. ولا يؤثر عن أطفالهم ما يؤثر عنهم ، وقد قيل فيهم : إنّهم أعقل النّاس صغارا ، وأحمقهم كبارا. حكاه أبو عبيد البكريّ في كتابه المسالك. وحكى فيه أيضا أنّ أبا دلامة [١] جاء إلى مصر ثم رجع فسئل عنها فقال : «ثلثها كلاب ، وثلثها تراب ، وثلثها دواب ، فقيل له [٢] : فأين النّاس؟ فقال : في الثّلث الأوّل».
وقلّما ترى [٣] من أهلها [٤] رجلا صافي اللّون إلّا [٥] إن كان من غيرها. ولا رجلا طلق اللسان. والّلكنة فيهم فاشية ، وجمهورهم يجعل القاف والكاف همزة. وقد سمعت شخصا منهم في التّلبية يقول : لبّيك اللهم لبّيك ، ويجعل كافاتها كلّها همزات ، فلو سمعته سمعت كلاما مضحكا.
وأمّا العقوق بينهم فمتعارف ، كان معنا في طريق الحجاز شخص منهم حجّ بأمّه ، فكان إذا اغتاظ عليها يقول لها : لعنك الله ، ولعن الّذي اواك ـ يعني أباه ـ وذلك بعد ما حجّ بها. وسمعت شخصا منهم ينادي رفيقه في الرّكب ، فلمّا أتاه لعنه ولعن أباه ، وقابله الآخر بمثل ذلك ، وتهارشا [٦] زمانا ثمّ قعدا يأكلان.
[١] أبو دلامة : زند بن الجون الأسدي بالولاء. شاعر مطبوع. نشأ بالكوفة ، واتصل بالخلفاء العباسيين ، وكان يتّهم بالزندقة لتهتكه. توفي سنة ١٦١ ه. ترجمته في وفيات الأعيان ٢ / ٣٢٠ ـ الأغاني ١٠ / ٢٣٥ ـ ٢٧٣ معاهد التنصيص ٢ / ٢١١ ـ غربال الزمان ١٥٠.