ومما قضى كلامي فيه بالإسكندرية مسألة البيع بالإشارة. كنت في أوّل يوم اجتمعت فيه بالفقيه زين الدّين ـ حفظه الله ـ ألفيت شيخا من طلبة الشّافعية يقرأ عليه كتابا من كتبهم ، فقرأ هذه المسألة ، وأنّه لا ينعقد بها إلّا ممّن يتعذّر عليه الكلام كالأخرس ، فقلت له : إن كان هذا لأنّ الإشارة عندكم محتملة ، فقولوا : لا ينعقد إلّا بالنّصّ الّذي لا يتطرّق إليه احتمال البتّة [٦٦ / آ] وهو يعزّ وجوده ، مع أنّكم لا تقولون به ، فرام الجواب ولم يأت بشيء. وزيّف الفقيه جوابه. ثم أجاب أيضا بأنّه إنّما انعقد في حقّ الأخرس للضّرورة إلى بيعه وشرائه ، ولا يمكن إلّا بالإشارة ، فقلت له : إن كانت الإشارة لا تدلّ ، فمن أين عرفنا قبوله أو ردّه؟. وإن كانت تدلّ فلم منعتم البيع بها في غير الأخرس؟ وقد دلّت كما دلّ النّطق ، فإن دلّت ، دلّت في الأخرس وغيره ، وإن لم تدلّ لم يلزم حكما بها [٤] ، وكيف يلزم إخراج مال عن ملكه بغير دلالة على التزامه لذلك؟ هذا ما لا معنى له.
[١] الشاعر هو ابن رشيق القيرواني ، والبيتان في ديوانه ٢٢٦ ومعاهد التنصيص ٣ / ٩٠.