ومن الأمر المستغرب ، والحال الّذي أفصح عن قلّة دينهم وأعرب ، أنّهم يعترضون الحجّاج ، ويجرعونهم من بحر الإهانة الملح الأجاج ، ويأخذون على وفدهم الطّرق والفجاج [١] ، يبحثون عمّا بأيديهم من مال ، ويأمرون بتفتيش النّساء والرّجال. وقد رأيت من ذلك يوم وردنا عليهم ما اشتدّ له عجبي ، وجعل الانفصال عنهم غاية أربي ، وذلك أنّه لمّا وصل إليها [٢] الرّكب جاءت شرذمة [٣] من الحرس ـ لا حرس الله مهجتهم الخسيسة ، ولا أعدم منهم لأسد الآفات فريسة ـ فمدّوا في الحجّاج أيديهم ، وفتّشوا الرّجال والنّساء وألزموهم أنواعا من المظالم ، وأذاقوهم ألوانا من الهوان ، ثم استحلفوهم وراء ذلك كلّه.
وما رأيت هذه العادة الذّميمة ، والشّيمة اللّئيمة ، في بلد من البلاد ، ولا رأيت في النّاس أقسى قلوبا ، ولا أقلّ مروءة وحياء ، ولا أكثر إعراضا عن الله سبحانه ، وجفاء لأهل دينه من أهل هذا البلد [٤] ، نعوذ بالله من الخذلان ، فلو شاء لاعتدل المائل وانتبه الوسنان. وكنت إذ [٥] رأيت فعل المذكورين ظننت أنّ ذلك أمر أحدثوه ، حتّى حدّثني نور الدّين ، أبو عبد الله بن [زين][٦] الدّين أبي الحسن يحيى بن الشّيخ وجيه الدّين أبي علي منصور بن عبد [٥٠ / ب] العزيز