فحوى من علم الصّبابة ما حوى ، واشتمل على أسرار عليها انطوى ، وأخذها مشافهة عن معلّم الطّوى ، سرت في جسمه حميّا [١] راح الرّاح [٢] ، وغنّت على أفنان قلبه أطيار الارتياح ، وهبّ له نسيم وصل اهتزّ له وارتاح ، كما يهتزّ الغصن اللّدن في كفاح الرّياح. فهو مع الأوجال والجوى بمنزل ، وعن حكم السّؤال والجواب بمعزل ، لا يصغي أذنا إلى نصيح ، ولا يلقي أذنا إلى لاح [٣] يصيح. يخاطب وغير المخاطب عنى ، وينظر وإلى غير المنظور رنا. يشدو مترنّما ، ويترنّم مدندنا [٤] : [البسيط]
لم يحبب القلب حبّا مثل حبّكم
ولم تر العين شيئا دونكم حسنا
فهذا حكمه حكمه ، وأمره أمره [٥] ، وإلزامه التزامه [٦]. لا يمتثل إلّا ما به الحبّ أمر ، ولا يسكن إلّا ما سكن الهوى وعمر ، فإن صحا مرّة فخوطب قال : أنا ضيف عمرو [٧]. وإن حذّر بأمر أو خوّف بزيد أو عمرو ، قال وهو مشتعل الأحشاء [٨] بالجمر : دعوني فلا خوف ، و «لا حرّ بوادي عوف» [٩] : [١٠] [الكامل]
[٩] المثل في أمثال أبي فيد ٧٣ ، والجمهرة ٢ / ٤٠٦ والميداني ٢ / ٢٣٦ ، وأمثال أبي عبيد ٩٤ ، والمستقصى ١ / ٤٣٧ و، ٢ / ٢٦٢ ، وفصل المقال ١٢٩ ـ ١٣٠ ، والفاخر ٢٣٦. ويقال ذلك لرجل يسود قومه فلا ينازعه أحد منهم سيادته وهو عوف بن محلّم بن ذهل بن شيبان.
[١٠] ـ البيتان للمتنبي وهما في ديوانه ١ / ٣ ـ ٤. وفي الديوان البيت الثاني قبل الأول.