وقد رأيت أن أقيّد هنا شيئا ممّا وقع كلامي فيه بمدينة تونس كلأها الله تعالى ، مستعينا بالله ومستهديا له. فمن ذلك أنّ بعض أصحابنا من طلبتها ـ حفظهم الله ـ حكى لي عن الفقيه الزّاهد المتصوّف [١] أبي محمّد المرجانيّ [٢] أنه سئل في مجلسه عن سبب فرار الشّيطان من الأذان دون الصّلاة ، وشأنها أعظم. ثم أجاب عن هذا بأجوبة منها أنّه يفرّ من الأذان لئلّا يشهد به للمؤذّن ، إذ لا يسمعه [٣] شيء إلا شهد له يوم القيامة. قلت : كأنّه من فرط حسده يروغ عن الشّهادة له ، وإن علم أنّه مستغن عنها ، كما ترى الحسود يتلكّأ في الشّهادة لمن حسده [٣٣ / آ] بفضيلة أو حقّ ، وإن كان في غنى عن شهادته لقيام غيره بها. ولكنّ هذا الجواب يردّ [عليه][٤] مثل السّؤال الأوّل ، وهو لم خصّ الأذان بشهادة كلّ شيء سمعه دون الصّلاة؟. فكأنّه سئل : لم خصّ [٥] الأذان بفرار الشّيطان منه؟ فقال : لأنّه خصّ بشهادة الأشياء له ، ومنها أنّ الأذان بمثابة دعاء الملك لخاصّته لحضور سرّ ، وإذا دعا الدّاعي تميّزت خاصّة الملك من غيرهم. قلت : وهذا جواب غير محصّل ، فإنّ التّمييز إنّما يكون عند حضور السّرّ ، فكأنّ فرار الشّيطان من الصّلاة أنسب
[٢] هو عبد الله بن محمد العرشي المرجاني ، فقيه ، واعظ ، صوفي ، قدم مصر ووعظ بها واشتهر في البلاد. ومات بتونس سنة ٦٦٩ ه وامتحن وأفتى العلماء بتكفيره ولم يؤثر فيه فعملوا عليه الحيلة وقتلوه. ترجمته في وفيات ابن قنفذ ٣٣٥ ـ طبقات الشعراني ١ / ٢٠٣ ـ شذرات الذهب ٥ / ٤٥١.