أوضح العبدريّ في مقدّمة الرّحلة منهجه في تأليفها فقال : [١] «... وبعد فإنّي قاصد بعد استخارة الله سبحانه إلى تقييد ما أمكن تقييده ، ورسم ما تيسّر رسمه وتسويده. ممّا سما إليه النّاظر المطرق ، في خبر الرّحلة إلى بلاد المشرق ، من ذكر بعض أوصاف البلدان ، وأحوال من بها من القطّان ، حسبما أدركه الحسّ والعيان ، وقام عليه بالمشاهدة شاهد البرهان ، من غير تورية ولا تلويح ، ولا تقبيح حسن ، ولا تحسين قبيح ، بلفظ قاصد لا يحجم معرّدا ، ولا يجمح فيتعدّى المدى ، مسطّرا لما رأيته بالعيان ، ومقرّرا له بأوضح بيان».
وقد كان العبدريّ وفيّا لهذا المنهج الّذي ارتضاه لرحلته ، مطبّقا له ، فقد وصف البلدان وصفا دقيقا بمبانيها ، وآثارها ، وكثيرا ما كان يعّرج على أهلها فيصف عاداتهم وتقاليدهم ، ولباسهم ، ومستواهم العلمي ، ولم يكن متساهلا في نقد ما كان يراه غير طبيعّي سواء في أخلاق النّاس أو في عاداتهم ، وخصوصا فيما يتعلّق بالنّاحية العلميّة للبلاد الّتي كان يدخلها ، كقوله عن طرابلس : [٢] «... ثم وصلنا مدينة طرابلس ، وهي للجهل مأتم ، وما للعلم فيها عرس ...». وقوله عن تلمسان : [٣] «... وأمّا العلم فقد درس رسمه في أكثر البلاد ، وغاضت أنهاره فازدحم على الثّماد ، فما ظنّك بها وهي رسم عفا طلله ، ومنهل جفّ وشله ...»