و التحقيق أن يقال: إنّ تلك الحروف لمّا كانت تابعة للأسماء في التحقّق الخارجيّ و الذهنيّ و في أصل الدلالة على معانيها، كانت تابعة لها في كيفيّة الدلالة؛ أي الدلالة على الواحد و الكثير، فتكون دالّة على واحد عند كون الأطراف كذلك، و على الكثير إذا كانت الأطراف كذلك. ففي قولنا: «كلّ عالمٍ في الدار» يكون العالم دالاً على عنوان المتلبّس بالعلم، و الكلّ على أفراده، و لفظة «في» على الروابط الحاصلة بينها و بين الدار، فيكون من قبيل استعمال اللفظ في المعاني الكثيرة، لا استعماله في كلّيّ منطبق على الكثيرين؛ لعدم تعقّل ذلك و إمكان ما ذكرنا بل وقوعه.
و هذا النحو من الاستعمال في الكثير كالوضع له و الحكاية عنه ممّا لا مانع منه، و لو كان المستعمل فيه غير متناهٍ؛ لأنّ تكثير الدلالة و الاستعمال تبعيّ، فلا محذور فيه و لو قلنا بعدم جواز استعمال اللفظ في أكثر من معنى في الأسماء؛ لعدم جريان البرهان المتوهّم [1] في الحروف؛ لما عرفت [2] من أنّ استعمالها و دلالتها و تعقّلها و تحقّقها تبعيّة غير مستقلّة.
ففي قوله: «كلّ عالم في الدار» يدلّ «كلّ عالم» على الكثرة التفصيليّة، و لفظة «في» تدلّ على انتساب كلّ فردٍ إلى الدار لا بالاستعمال في طبيعة كلّيّة، و كذا في مثل: «سرْ من البصرة إلى الكوفة» تدلّ «من» و «إلى» على