أضف إلى ذلك ما تقدم آنفاً من انا لو سلمنا ان منشأ اعتبار القدرة اقتضاء نفس التكليف ذلك الاعتبار لم يكن مقتض لاختصاص المتعلق بخصوص الحصة الاختيارية - كما سبق ذلك بصورة مفصلة - فلا حاجة إلى الإعادة. و اما النقطة الثالثة - و هي ان الفرد المزاحم للواجب المضيق تام الملاك مطلقاً حتى على القول بالاقتضاء. و ان قصد الملاك يكفي في وقوع الشيء عبادة. فهي تتوقف على إثبات هاتين المقدمتين: إحداهما كبرى القياس، و الأخرى صغراه. اما المقدمة الأولى - و هي كبرى القياس - فلا إشكال فيها، و ذلك لما حققناه في بحث التعبدي و التوصلي من ان المعتبر في صحة العبادة هو قصد القربة بأي وجه تحقق، سواء أتحقق في ضمن قصد الأمر، أو قصد الملاك، أو غير ذلك من الدواعي القربية. و لا دليل على اعتبار قصد الأمر خاصة، بل قام الدليل على خلافه، كما فصلنا الحديث من هذه الناحية هناك. و اما المقدمة الثانية - و هي صغرى القياس فقد استدل عليها بوجوه: الأول - ما عن المحقق صاحب الكفاية (قده) من دعوى القطع بان الفرد المزاحم تام الملاك، و لا قصور فيه أصلا، و قال في بيان ذلك ما ملخصه: ان الفرد المزاحم للواجب المضيق أو الأهم و ان كان خارجاً عن الطبيعة المأمور بها بما هي مأمور بها إلا انه لما كان وافياً بغرضها - كالباقي من افرادها - كان عقلا مثله في الإتيان به بداعي الأمر بالطبيعة في مقام الامتثال بلا تفاوت في نظر العقل بينه و بين بقية الافراد من هذه الجهة أصلا. نعم انه يفترق عن البقية في انه خارج عن الطبيعة المأمور بها بما هي كذلك، و البقية داخلة فيها. و هذا ليس لقصور فيه، ليكون خروجه عنها من باب التخصيص، و عدم الملاك، بل لعدم إمكان تعلق الأمر بما يعمه عقلا. و على كل حال فالعقل لا يرى تفاوتاً بينه و بين غيره من الافراد في الوفاء بغرض الطبيعة أصلا و انه كالبقية تام الملاك، و لا قصور فيه أبداً.