المطلق. وقد تنقلب
النسبة إلى التباين مع المعارضة بينهما ، كما إذا أخرج الدليل الرابع مورد
الافتراق عن جميع الأدلة الثلاثة ، فيقع التعارض بينها ، لان مجمع العناوين يكون
مورد النفي والاثبات ، فتأمل فيما تمر عليك من الأمثلة وكيفية انقلاب النسبة
بينها.
وقد أشرنا إلى الوجه في انقلاب النسبة
في مثل هذه الموارد ، وحاصله : أن ملاحظة النسبة بين الأدلة إنما هي لأجل تشخيص
كونها متعارضة أو غير متعارضة ، وقد تقدم : أن تعارض الأدلة إنما هو لأجل حكايتها
وكشفها عما لا يمكن جعله وتشريعه لتضاد مؤدياتها ، فالتعارض بين الأدلة إنما يكون
بمقدار كشفها وحكايتها عن المراد النفس الأمري. ومن الواضح : أن تخصيص العام يقتضي
تضييق دائرة كشفه وحكايته [١]
فان التخصيص يكشف لا محالة عن عدم كون عنوان العام تمام المراد ، بل المراد هو ما
وراء الخاص ، لان دليل الخاص لو لم يكشف عن ذلك يلزم لغوية التعبد به وسقوطه عن
الحجية ، فلازم حجية دليل المخصص هو سقوط دليل العام عن الحجية في تمام المدلول
وقصر دائرة حجيته بما عدا المخصص. وحينئذ لا معنى لجعل العام بعمومه طرف النسبة ،
لان النسبة إنما يلاحظ بين الحجتين ، فالذي يكون طرف النسبة هو
[١] أقول : بعد كون
المدار في باب الألفاظ على الكشف النوعي بشهادة حجيتها حتى مع الظن الغير المعتبر
على الخلاف ، كيف يقتضي تقديم حجة أخرى منفصلة عنه تضيق دائرة كشفه النوعي؟ إذ
غاية ما يقتضيه الحجة الأخرى عدم مرادية المدلول واقعا ، وهذا المعنى لا ينافي مع
بقاء كشفه النوعي الحاصل لولا هذا الدليل ، كما أن كسر صولة حجية العام ببعض
مدلوله الذي هو نتيجة تقديم دليل آخر عليه لا يقتضي قوة دلالته وكشفه ، لان الحكم
بالحجة لا يغير الدلالة قوة وضعفا ، فالمقدار من دلالة الدليل الذي هو تحت الحجية
هو الموجود في ضمن تمام الدلالة ، ومن البديهي : ان هذا الموجود الضمني بحجيته
وعدمها لا يستفيد قوة وضعفا ، بل يبقى على ما كان عليه من قوته وضعفه قبل الحجية
ولولاها ، ولذا قلنا بأنه لا معنى لمدارية انقلاب النسبة بهذا المعنى ، ولعمري! لو
تأملت فيما ذكرنا ترى منتهى الغرابة في كلامك لا كلام الغير!.