المنافاة بين ما
ذكره في « الامر الثالث » وبين ما ذكره في « الامر الثاني » عند رد مقالة المحقق
الثاني ، حيث قال رحمهالله
ما لفظه « وأما ما ذكره : من أن الظاهر إنما يتم مع الاستكمال المذكور لا مطلقا ،
فهو إنما يتم إذا كان الشك من جهة بلوغ الفاعل ولم يكن هناك طرف آخر معلوم البلوغ
يستلزم صحة فعله صحة فعل هذا الفاعل الخ » فان ظاهر ما أفاده في « الامر الثاني »
هو أن أصالة الصحة في فعل أحد الطرفين تثبت صحة الفعل في الطرف الآخر ، وهذا
بظاهره ينافي ما صرح به في « الامر الثالث » من أن أصالة الصحة في فعل الموجب لا
نثبت فعل القابل ، فتأمل [١].
وعلى كل حال : لا إشكال فيما أفاده : من
أن صحة كل شيء بحسبه ، فصحة الايجاب معناها « أنه لو انضم إليه القبول لكان مؤثرا
في النقل والانتقال » وصحة عقد الصرف والسلم معناها « أنه لو تعقبه القبض في
المجلس لكان مؤثرا في النقل والانتقال » [٢]
فأصالة الصحة في الايجاب أو في عقد
[١] وجهه : هو أنه
يمكن دفع التنافي بين الكلامين ، فان ما أثبته في « الامر الثاني » هو أن أصالة
الصحة في فعل أحد الطرفين تثبت صحة الفعل الصادر عن الطرف الآخر إذا توقف صحة أحد
الفعلين على صحة فعل الآخر ، كما في صورة الشك في بلوغ أحد المتعاقدين ، فان صحة
فعل البالغ تتوقف على صحة فعل الآخر المتوقفة على بلوغه أيضا. وما منع عنه في «
الامر الثالث » هو أن أصالة الصحة في فعل أحد الطرفين لا تثبت صدور أصل الفعل من
الطرف الآخر مع عدم توقف صحة فعل أحدهما على صدور الفعل عن الآخر ، كما في الايجاب
، فان صحته لا تتوقف على وقوع القبول عقيبه ، فما ذكره في « الامر الثاني » لا
ينافي ما ذكره في « الامر الثالث » فتأمل جيدا ( منه ).
[٢] أقول : الأولى
أن يقال : إن القبض بناء المشهور من كونه شرطا ناقلا ، فأصالة الصحة لا يجري في
العقد مع الشك فيه ، من جهة أن المتيقن من مجراه صورة احتمال الصحة والفساد حين
وجود العقد ، وفي المقام ليس كذلك ، وإلا فلا قصور في جريانها في العقد مع الشك في
القبض. نعم : لو كان القبض من أجزاء السبب كان الامر كما ذكر ، ولكن له باثباته!
إذ الظاهر من كلماتهم أن القبض شرط صحة العقد لا جزء المؤثر.