وعلى كل حال : لا يمكن الخدشة في جريان
البراءة العقلية وفي انحلال العلم الاجمالي من هذه الجهة بعد البناء على كون الأقل
واجبا نفسيا على كل تقدير.
وقد
أورد على الانحلال بوجوه اخر ، ذكرها الشيخ مع الجواب عنها.
فالأولى عطف عنان الكلام إلى بيان
المختار في وجه عدم جريان البراءة العقلية ، وعدم كفاية العلم التفصيلي بوجوب
الأقل في انحلال العلم الاجمالي عقلا.
فنقول : إنه لا إشكال في أن العقل يستقل
بعدم كفاية الامتثال الاحتمالي للتكليف القطعي ، ضرورة أن الامتثال الاحتمالي إنما
يقتضيه التكليف الاحتمالي ، وأما التكليف القطعي فهو يقتضي الامتثال القطعي ، لان
العلم باشتغال الذمة يستدعي العلم بالفراغ عقلا ، ولا يكفي احتمال الفراغ ، فإنه
يتنجز التكليف بالعلم به ولو إجمالا ، ويتم البيان الذي يستقل العقل بتوقف صحة
العقاب عليه ، فلو صادف التكليف في الطرف الآخر الغير المأتي به لا يكون العقاب
على تركه بلا بيان ، بل العقل يستقل في استحقاق التارك للامتثال القطعي للعقاب على
تقدير مخالفة التكليف.
ففي ما نحن فيه لا يجوز الاقتصار على
الأقل عقلا ، لأنه يشك في الامتثال
من القطعة المشكوكة.
ومن هذا البيان ارتفع شبهة
أخرى يتوهم ورودها ، وهي توهم أن الاشتغال بالأقل يقتضي الفراغ اليقيني عن الأقل
بعد التسليم الانحلال وعدم المنجزية للعلم الاجمالي ، ومرجع هذا الكلام إلى أن
العلم التفصيلي بوجوب الأقل يقتضي الفراغ عنه ، ولا يحصل ذلك إلا بالاتيان
بالأكثر. والمقرر لو جعل نظره في وجه لزوم الأكثر إلى هذا الوجه ـ كما كان
المترائي من بدو كلامه ذلك ـ لكان أولى ، وكان وجهه حينئذ ممتازا عن كلام المحقق
صاحب الحاشية ، فيصلح رده طريقه الاحتياط واختيار ذلك ، ولكن ما قنع بذلك ووجهه
بعين ما يرجع إلى كلام المحقق ، وأظن أن ذلك خلط من المقرر ، فتدبر.