قيّدت بقصد القربة ،
بل يكون ذلك التقييد من شؤون التقييد بقصد القربة ، لكن هذا في خصوص العبادات التي
يعتبر فيها التقرب ، وأما في غير ذلك فتقييد الخطاب وإطلاقه بالنسبة إلى الحسن
الفاعلي وقبحه يكون بلا موجب ، فدعوى أن الخطابات الأولية تعم قبح الفاعلي ضعيفة
جدا.
وأمّا
الكلام من الحيثية الثانية : وهي اختصاص
القبح الفاعلي بخطاب يخصه غير الخطابات الأولية ، فمجمل الكلام فيها : هو أن توجيه
الخطاب إلى ما يختص بالقبح الفاعلي مما لا يمكن ، فان موضوع الخطاب الذي يمكن أن
يختص بذلك إنما هو عنوان المتجرى [١]
أو العالم المخالف علمه للواقع وأمثال ذلك من العناوين المختصة بالقبح الفاعلي ،
والخطاب على هذا الوجه لا يعقل ، لأن الالتفات إلى العنوان الذي تعلق به الخطاب مما
لا بد منه ، والمتجرى لا يمكن أن يلتفت إلى أنه متجري ، لأنه بمجرد الالتفات يخرج
عن كونه متجريا ، فتوجيه الخطاب على وجه يختص بالقبح الفاعلي فقط لا يمكن ، مع أنه
لا موجب إلى هذا الاختصاص [٢]
فان القبح الفاعلي مشترك بين
[١] أقول : ما أفيد
إنما يتم لو قلنا بأن مناط الخطاب وموضوعه عنوان التجري ، ولنا ان نقول : إن تمام
المناط على الطغيان على المولى والتسليم له الجامعين بين العصيان والتجري والإطاعة
والانقياد. وحينئذ الغفلة عن فرد الجامع مع الالتفات بنفسه ـ ولو بخيال فرد آخر ـ
لا يضر باستحقاق العقوبة وقبحه الفاعلي ، ولو صادف الفرد الآخر ، كما لا يخفى.
[٢] أقول : اعترافه
بعدم اختصاص القبح بخصوص صورة المخالفة في غاية الجودة ، ولكن ذلك لا يقتضي تعلقه
بعنوان معلوم الخمرية أعم من المخالف والمصادف ، بل انما يتعلق بالطغيان الصادر عن
العلم بالخمرية ، كما أشرنا إليه سابقا.
ثم إنه على فرض تعلقه بهذا
العنوان لا معنى للتأكد في المجمع ، إذ الحكم المترتب على العلم بحرمة الخمر
يستحيل اتحاده مع الحرمة الواقعية ، فأين يتصور التأكد في المقام؟ نعم : الأولى أن
يعتذر عن مثل هذا الحكم في حق العالم به بمغفولية وجود موضوعه في العلم المخالف ،
وذلك أيضا على فرض تعلق الحكم بكل واحد من العلم المخالف والموافق ، وإلا فعلى فرض
تعلقه بالجامع ـ كما فرضنا ـ فلا مانع فيه ، كما أشرنا إليه في الحاشية السابقة ،
فتدبر ، ولعمري! أن الناظر البصير يرى هذه القطعة مختلة النظام ، وأظن أنه من
المقرر.