أمّا
الكلام من الحيثية الأولى : فالحق فيه
أن الخطابات الأولية لا تعم القبح الفاعلي ، فان الحسن والقبح الفاعلي إنما يكون
مترتبا على الخطابات الأولية [١]
ومن الانقسامات اللاحقة له ، إذ بعد تعلق الخطابات بموضوعاتها تتحقق رتبة الحسن
الفاعلي وقبحه ، فان ذلك يقع في رتبة امتثال تلك الخطابات وعصيانها ، فلا يمكن أن
تكون الخطابات مطلقة تعم الحسن الفاعلي وقبحه بالاطلاق والتقييد اللحاظي.
نعم : يمكن ذلك بنتيجة الإطلاق والتقييد
[٢] إلا أن دعوى
إطلاق تلك الخطابات ولو بنتيجة الإطلاق للفعل الصادر عن الفاعل قبيحا تكون بلا
برهان ، بعد ما كانت الخطابات مترتبة على موضوعاتها الواقعية ، والموضوع في مثل قوله
( لا تشرب الخمر ) هو الخمر الواقعي.
نعم : قد يتفق تقييد الخطاب بصورة صدور
الفعل عن الفاعل حسنا وعدم صدوره قبيحا ، كما في مثل الصلاة في الدار المغصوبة ،
حيث قلنا ببطلان الصلاة فيها عند الالتفات إلى موضوع الغصب وحكمه ، مع أنا نقول :
بجواز اجتماع الأمر والنهي [٣]
وليس ذلك إلا من جهة أن صدور الصلاة المشتملة على المصلحة من مثل هذا الشخص يكون
قبيحا ، فلا تصلح لأن يتقرب بها ، فقد قيدت الصلاة بصورة عدم صدورها عن الفاعل
قبيحا بنتيجة التقييد ، كما
[١] أقول : ما يترتب
على الخطاب هو حكم العقل باستحقاق الثواب والعقاب ، لا جهة سوء سريرة الفاعل ، إذ
وجودها في ذات الفاعل غير محتاج إلى الخطاب أصلا ، وإن تحقق تكشف عنه في بعض
الأحيان. وحينئذ احتمال الكشف في الكلام السابق ملغى. بقى في البين الاحتمالان
الأولان ، ولقد تقدم ما فيهما
[٢] أقول : ولقد
تقدم الكلام فيه مستقصى ، فراجع. نعم : في صيرورته تحت الخطاب ـ كما أفيد ـ يحتاج
إلى متمم الجعل.
[٣] أقول : قد حققنا
في محله أنه بناء على القول بجواز اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد بعنوانين لا
معنى لسراية القبح فعليا وفاعليا إلى العنوان الراجح ، فلا معنى لتقييد موضوع
الأمر بعدم اقترانه بالحرام ، كما هو الشأن في المتزاحمين ، وإن كان بينهما فرق من
جهة أخرى ، فتدبر.