المرتبة السابقة عن
ورود الرفع ، و « الدفع » يستعمل غالبا في المورد الذي فرض ثبوت المقتضى لوجود
الشيء قبل إشغاله لصفحة الوجود في الوعاء المناسب له ، فيكون الرفع مانعا عن
استمرار الوجود ، والدفع مانعا عن تأثير المقتضى للوجود.
ولكن هذا المقدار من الفرق لا يمنع عن
صحة استعمال « الرفع » بدل « الدفع » على وجه الحقيقة بلا تصرف وعناية ، فان الرفع
في الحقيقة يمنع ويدفع المقتضى عن التأثير في الزمان اللاحق أو المرتبة اللاحقة [١] لأن بقاء الشيء كحدوثه يحتاج إلى علة
البقاء وإفاضة الوجود عليه من المبدء الفياض في كل آن ، فالرفع في مرتبة وروده على
الشيء إنما يكون دفعا حقيقة باعتبار علة البقاء وإن كان رفعا باعتبار الوجود
السابق ، فاستعمال « الرفع » في مقام « الدفع » لا يحتاج إلى علاقة المجاز ، بل لا
يحتاج إلى عناية أصلا ، بل لا يكون خلاف ما يقتضيه ظاهر اللفظ ، لأن غلبة استعمال
« الرفع » فيما يكون له وجود سابق لا يقتضي ظهوره في ذلك.
ومما ذكرنا من معنى « الرفع » و « الدفع
» يظهر : أنه لا مانع من جعل « الرفع » في الحديث المبارك بمعنى « الدفع » في جميع الأشياء التسعة المرفوعة
، ولا يلزم من ذلك مجاز في الكلمة ، ولا في الإسناد.
أما عدم المجازية في الإسناد : فلما
سيأتي من أن إسناد الرفع إلى المذكورات يكون على وجه الحقيقة بلا تقدير وإضمار.
وأما في الكلمة : فلما عرفت : من أن
حقيقة الرفع هي الدفع ، فيكون المراد من رفع التسعة دفع المقتضى عن تأثيره في جعل
الحكم وتشريعه في الموارد التسعة.
[١] أقول : ذلك كذلك
لو كان مصحح صدق « الرفع » مجرد منع المقتضى عن تأثيره ، وإما لو قلنا بأن المصحح
في صدقه علاوة عن ذلك عدم قصور في تأثير المقتضى في زمان سابق عن وروده قبل «
الدفع » المعتبر فيه المقارنة ، فلا مجال حينئذ لتصحيح صدقه على الدفع بتدريجية
إفاضة الفيض عليه ، إذ تشبه ذلك باثبات اللغة بالعرفان!.