توجب انعقاد الظهور
، فإنه لو كان هذا الوثوق حاصلا قبل إلقاء الكلام إلى المخاطب لما كاد يشك في كونه
موجبا لظهور الكلام ، كما لو فرض أنه حصل الوثوق من قول اللغوي قبل نزول آية
التيمم بأن معنى « الصعيد » هو خصوص التراب ، ثم نزل قوله تعالى : « فتيمموا صعيدا طيّباً
» فإنه لا إشكال في أن الوثوق السابق
يوجب ظهور لفظ « الصعيد » في خصوص التراب ، فكذا الحال فيما لو حصل هذا الوثوق بعد
نزول الآية ، فإنه لا يعقل الفرق في ذلك بين حصول الوثوق قبل النزول أو بعده ، كما
لا يخفى.
الثاني :
قد تقدم أنه لا يجوز الأخذ بظاهر كلام من كان من عادته الاعتماد على القرائن
المنفصلة قبل الفحص عنها ، وأما بعد الفحص فيجب الأخذ بالظهور ولو لم يحصل الوثوق
بإرادة الظاهر ، كما لا يبعد عدم حصوله في الغالب بالنسبة إلى الروايات ، لقوة
احتمال أن تكون في البين قرينة منفصلة تدل على إرادة خلاف الظاهر وقد اختفت علينا
لدواعي الاختفاء ، إلا أن ذلك لا يوجب التوقف في متابعة الظاهر بعد الفحص ، ولا
ينافي هذا ما تقدم : من أن بناء العقلاء ليس على التعبد بالظواهر ولو لم يحصل لهم
الوثوق ، لأنه فرق بين ما إذا تعلق الغرض باستخراج واقع مراد المتكلم من ظاهر
كلامه فهذا لا يكون إلا بعد الوثوق بأن الظاهر هو المراد ـ وعليه بناء العقلاء ـ
وبين ما
موجباً للقطع
بالمعلول. نعم : له دعوى حجية هذا الوثوق الموجب للوثوق بالدلالة وحجيته ، ولكن مرجعه
إلى دعوى حجية الوثوق بالدلالة لدى العقلاء ودعواه على عهدة مدعيه! وحدسي أن
القائل المزبور أراد من الظهور ما يفيد الظن بالمراد ، لا انسباق المعنى إلى الذهن
، كما في المعاني المتبادرة من ألفاظها وهو كما ترى!.
[١] أقول : لو كان
مدار العقلاء على الوثوق الشخصي في معاشهم الذي تعلق غرضهم بالوصول إلى الواقع لا
نسد أمر المعاش لديهم ، إذ لازمه عدم ايصال أموالهم بالبحر والبر للتجارة. ودعوى
وثوقهم الشخصي في هذه الموارد خلاف الإنصاف ، فلا محيص من دعوى كون مدارهم على
الوثوق النوعي ، وفي مثله لا يبقى مجال الفرق بين معاشهم ومعادهم ، فما هو حجة في
معاشهم هو المرجع عندهم في احتجاجهم لمواليهم ، كما لا يخفى.