فنقول : انه لا اشكال في أن المقولة هي
بنفسها من الماهيات الامكانية في قبال الماهية الجوهرية ، وفي عالم الهوية لا ربط
لاحديهما بالأخرى ، ولكن ماهية العرض تحتاج في مقام التحقق إلى محل تقوم به ، لعدم
امكان قيام الماهية العرضية بنفسها ، بل وجودها انما يكون بوجود الموضوع ، ومن هنا
قالوا : ان وجود العرض لنفسه وفي نفسه عين وجوده لمحله وفي محله ، والمراد من
عينية الوجود للمحل هو الاتحاد في الوجود خارجا ، بحيث لايكون هناك أمران منحازان
في الخارج ، ولأجل ذلك صح لحاظ العرض بما هو هو ، وبما هو قائم بالمحل ومتحد وجوده
مع وجوده. وبعبارة أخرى تارة : يلاحظ بشرط لا عما يتحد معه ، وأخرى : يلاحظ لا
بشرط عما يتحد معه : فان لوحظ بما هو هو وبشرط لا عما يتحد معه وبما انه شيء من
الموجودات الامكانية ، يقال له العرض كالسواد والبياض ، وان لوحظ بما هو قائم
بالمحل ولا بشرط عما يتحد معه في الوجود وبما انه وجود رابطي ، يقال له العرضي
كالأبيض والأسود. وبعبارة أخرى تارة : يلاحظ أمرا مباينا غير محمول ، وأخرى : يلاحظ
أمرا متحدا محمولا كقولك : زيد ابيض ، حيث إنه يصح ذلك ، ولا يصح قولك : زيد بياض.
ثم
إن العرض ان لو حظ أمرا مباينا غير محمول ، فاما ان يلاحظ بما هو هو ، من دون لحاظ
انتسابه إلى محله ، فهو المعبر عنه باسم المصدر ، حيث قيل في تعريفه : انه ما دل
على نفس الحدث بلا نسبة. واما ان يلاحظ منتسبا إلى فاعله ، فتارة : يكون اللحاظ
بنسبة ناقصة تقييدية ، وهو المعبر عنه بالمصدر كقولك : ضرب زيد ، وأخرى : بنسبة
تامة خبرية ، وهو المعبر عنه بالفعل باقسامه الثلاثة : من الماضي والمضارع والامر ،
فيشترك كل من المصدر والفعل في الدلالة على النسبة ، غايته ان هيئة المصدر تدل على
النسبة الناقصة التقييدية على ما قيل ، وان كان لنا فيه كلام يأتي انشاء الله
تعالى ، وهيئة الفعل تدل على النسبة التامة الخبرية ، فإذا كان معنى المصدر هو ذلك
، فلا يمكن ان يكون هو مبدء الاشتقاق ، بداهة انه يكون للمصدر ح هيئة تخصه ، ويكون
بما له من المعنى مباينا لسائر المشتقات ، فكيف يكون هو مبدء