والسر في ذلك
: هو ان طريق الاخذ والالتزام والمحاجة انما هو بيد العقل والعقلاء ، وبناء
العقلاء في محاوراتهم على ذلك ، كما أن العقل يحكم بذلك أيضا. وعليك بمقايسة
الأحكام الشرعية على الاحكام العرفية الصادرة من الموالى العرفية الملقاة إلى
عبيدهم ، فإنه لا يكاد يشك في الزام العبد بالأخذ بظاهر كلام المولى بعد الفحص عما
يخالف الظاهر واليأس عن الظفر إذ كان شان المولى التعويل على المنفصل ، وليس للعبد
ترك الاخذ بالظاهر والاعتذار باحتمال عدم إرادة المولى ظاهر كلامه ، كما أنه ليس
للمولى الزام العبد وتأديبه عند اخذه بالظاهر إذا لم يكن الظاهر مراده وعول على
المنفصل.
والحاصل : ان كون المتكلم من دأبه
التعويل على المنفصلات انما يوجب عند العقلا عدم الاخذ بالظاهر قبل الفحص عن مظان
وجود المنفصل ، واما بعد الفحص فالعقل والعقلاء يلزمون العبد بالأخذ بالظاهر ويكون
ظاهر كلام المتكلم حجة على العبد ، ولكل من المولى والعبد الزام الآخر بذلك
الظاهر.
نعم لو قلنا : بان اعتبار الظهور من باب
إفادته الظن والاطمينان الشخصي بالمراد ، لكان الاشكال المذكور في محله ، إذ الفحص
لا يوجب حصول الظن بالمراد بالنسبة إلى المتكلم الذي شأنه التعويل على المنفصل ، الا
ان اعتبار الظهور من ذلك الباب فاسد ، بل اعتبار الظهور من باب بناء العقلاء على
الاخذ ولو لمكان كشفه نوعا عن المراد ، لا من باب التعبد المحض ، وقد عرفت ان بناء
العقلاء ليس أزيد من الفحص بالنسبة إلى المتكلم الذي يكون شانه ذلك ، فتأمل جيدا.
هذا
كله في أصل وجوب الفحص ، واما مقداره : فهو وان اختلف فيه ، بين من يكتفى بالظن ، وبين
من يعتبر العلم واليقين بعدم وجود مقيد ومخصص فيما بأيدينا من الكتب ، وبين من
يعتبر الاطمينان وسكون النفس بعدم وجود ذلك ، الا ان الأقوى هو الأخير ، وهو
اعتبار الاطمينان ، لان الاكتفاء بالظن مما لا وجه له بعد عدم قيام الدليل على اعتباره
، والاقتصار على حصول العلم واليقين يوجب الحرج وسد باب الاستنباط ، فان الاخبار
وان بوبها الأصحاب ( جزاهم الله عن