وبالجملة
: هناك فرق بين المعنى المنشأ بقولك بعت ،
والمعنى الموجد بهيئة بعت ، فان الهيئة انما توجد النسبة بين المبدء والفاعل ، وهذا
قوامه بالاستعمال ، فما دام متشاغلا بقوله بعت تكون النسبة بين المبدء والفاعل
محفوظة ، وبمجرد الخروج عن موطن الاستعمال تنعدم النسبة ، ويكون لفظ البيع بما له
من المعنى مباينا للبايع من دون ان يكون بينهما ربط ، وهذا بخلاف الموجد بالانشاء ،
فإنه لا يقوم بالاستعمال وان كان يوجد بالاستعمال ، بل يقوم في الوعاء المناسب له.
فتحصل
: ان صيغ العقود وان اشتركت مع الحروف في
ايجادها المعنى ، الا انها تفترق عنها في أن المعنى الحرفي يكون قائما بغيره
والمعنى الانشائي يكون قائما بنفسه ، والمعنى الحرفي لا موطن له الا الاستعمال
والمعنى الانشائي موطنه الاعتبار ، والمعنى الحرفي مغفول عنه عند الاستعمال
والمعنى الانشائي ملتفت إليه فتأمل جيدا.
وإذا
عرفت مباينة المعنى الحرفي للمعنى الأسمى ، ظهر
لك ضعف ما قيل : من أنه ليس للحروف معنى أصلا بل انما هي علامات لإفادة ما أريد من
متعلقاتها ، كما حكى نسبة ذلك إلى الشيخ الرضى ره.
وجه الضعف : هو ان العلامة لم تحدث
في ذي العلامة معنى يكون فاقدا له لولا العلامة ، بل يكون ذو العلامة على ما هو
عليه ، وتكون العلامة لمجرد التعريف ، وشأن الحروف ليس كذلك لوضوح انها تحدث معنى
في الغير كان فاقدا له لولا دخول الحرف عليه ، بداهة ان زيدا لم يكن منادى ويصير
منادى بسبب ياء النداء ، ومع ذلك كيف يمكن القول بأنها علامة؟.
وكذلك ظهر ضعف ما قيل أيضا : من أنه لا
مايز بين معاني الحروف ومعاني الأسماء في ناحية الوضع والموضوع له ، وانما لم يصح
استعمال أحدهما مكان الاخر ، لاعتبار الواضع قيد ( ما قصد لنفسه ) في الأسماء في
ناحية الاستعمال ، و ( ما قصد لغيره ) في الحروف في تلك الناحية.
وبعبارة أخرى : الأسماء وضعت
لتستعمل في المعاني الاستقلالية
، و