المصداق والمفهوم ، وكم
بين المفهوم والمصداق من الفرق ، بداهة تغاير المفهوم والمصداق بالهوية ، وبالاثر
والخاصية ، إذ المفهوم لا موطن له الا العقل ، وموطن المصداق هو الخارج ، ولا يعقل
اتحاد ما في العقل مع ما في الخارج الا بالتجريد والقاء الخصوصية ، ولا يمكن القاء
الخصوصية في الحرف ، لان موطنه الاستعمال وهو قوامه ، فالتجريد والقاء الخصوصية
يوجب خروجه عن كونه معنى حرفيا ، هذا بحسب الهوية. وكذا الحال في الآثار والخواص ،
فان الرافع للعطش مثلا مصداق الماء ، لا مفهومه ، والمحرق هو مصداق النار ، لا
مفهومها.
وحاصل الكلام :
ان الحروف بأجمعها ، وما يلحق بها مما
يتكفل معنى نسبيا رابطيا ، انما وضعت لايجاد مصاديق الربط والنسبة ، على ما بين
النسب والروابط من الاختلاف من النسبة الابتدائية والانتهائية والظرفية وغير ذلك ،
والأسماء وضعت بإزاء مفاهيم تلك الروابط ، فلا ترادف بين لفظة ( ياء ) النداء وبين
لفظة ( النداء ) بما لهما من المعنى ، ولا يصح حمل أحدهما على الاخر ، لان لفظة (
يا ) موجدة لمعنى في الغير ، ولفظة ( النداء ) حاكية عن معنى متقرر في وعائه.
ولا يتوهم انه لو كانت
نسبة المعنى الحرفي للمعنى الأسمى نسبة المصداق إلى المفهوم لكان اللازم صحة حمل
أحدهما على الاخر ، كصحة حمل الانسان على زيد ، فلازمه صحة حمل ( النداء ) على (
ياء ).
وذلك لان صحة الحمل في قولك زيد انسان
انما هو لأجل حكاية زيد عن معنى متحد في الخارج مع الانسان ، وهذا بخلاف ( يا )
فإنها ليست حاكية عن معنى متحد مع ( النداء ) بل هي موجدة لمعنى في الغير. نعم ما
يوجد بياء النداء يحمل عليه انه نداء من باب حمل الكلي على المصداق فتأمل في
المقام جيدا.
الامر الرابع :
قد ظهر مما ذكرنا ان قوام المعنى الحرفي
يكون بأمور أربعة :
الأول
: ان يكون المعنى ايجاديا ، لا اخطاريا.
الثاني
: ان يكون المعنى قائما بغيره لا بنفسه ، كالمعاني
الموجدة في باب العقود