ان معاني الحروف كلها ايجادية حتى ما
أفاد منها النسبة.
وبيان ذلك : هو ان شأن أدوات النسبة ليس
الا ايجاد الربط بين جزئي الكلام ، فان الألفاظ بما لها من المفاهيم متباينة
بالهوية والذات ، لوضوح مباينة لفظ زيد بما له من المعنى للفظ القائم بما له من
المعنى ، وكذا الفظ السير مباين للفظ الكوفة والبصرة بما لها من المعنى ، وأداة
النسبة انما وضعت لايجاد الربط بين جزئي الكلام بما لهما من المفهوم ، على وجه
يفيد المخاطب فائدة تامة يصح السكوت عليها ، فكلمة ( من ) و ( إلى ) انما جيئ بهما
لايجاد الربط ، واحداث العلقة بين السير والبصرة والكوفة الواقعة في الكلام ، بحيث
لولا ذلك لما كان بين هذه الألفاظ ربط وعلقة أصلا.
ثم
بعد ايجاد الربط بين جزئي الكلام بما لهما
من المفهوم ، يلاحظ المجموع من حيث المجموع ، أي يلاحظ الكلام بما له من النسبة
بين اجزائه ، فان كان له خارج يطابقه يكون الكلام صادقا ، أي كانت النسبة الخارجية
على طبق النسبة الكلامية ، والا يكون الكلام كاذبا ، وذلك فيما إذا لم تطابق
النسبة الكلامية للنسبة الخارجية ، وأين هذا من كون النسبة الكلامية حاكية عن
النسبة الخارجية؟ بل النسبة الكلامية انما توجد الربط بين اجزاء الكلام ، والمجموع
المتحصل يكون اما مطابقا للخارج ، أو غير مطابق. وفرق واضح بين كون النسبة
الكلامية حاكية عن النسبة الخارجية ومخطرة لها في ذهن السامع وبين ان تكون النسبة
موجدة للربط بين اجزاء الكلام ، ويكون المجموع المتحصل من جزئي الكلام بما لهما من
النسبة له خارج يطابقه أو لا يطابقه ، فظهر : ان الحروف النسبية أيضا تكون معانيها
ايجادية لا اخطارية.
الامر الثالث :
قد ظهر مما ذكرنا وجه المختار من امتياز
معاني الحروف بالهوية عن معاني الأسماء تمايزا كليا ، لما تقدم : من أن معاني
الأسماء متقررة في وعاء العقل ، ثابتة