والحاصل
: ان المعنى الحرفي يكون قوامه بغيره ، ونحو
تقرره وثبوته بتقرر الغير وثبوته ، كالنسبة الابتدائية والظرفية القائمة بالبصرة
والدار عند قولنا : سرت من البصرة وزيد في الدار. ولعل من توهم انه ليس للحروف
معنى اشتبه من قولهم في تعريف الحرف : بأنه ما دل على معنى في غيره ، فتخيل ان
مرادهم من ذلك هو انه ليس له معنى ، ولكن قد عرفت : انه ليس مرادهم ذلك ، بل
مرادهم ان المعنى الحرفي ليس قائما بنفسه نظير قيام المعنى الأسمى بنفسه.
والفرق بين كونه علامة صرفة ، وبين كون
معناه قائما بغيره ، هو انه بناء على العلامة يكون الحرف حاكيا عن معنى في الغير
متقرر في وعائه ، كحكاية الرفع عن الفاعلية الثابتة لزيد في حد نفسه ، مع قطع
النظر عن الاستعمال. وهذا بخلاف كون معناه قائما بغيره ، فإنه ليس فيه حكاية عن
ذلك المعنى القائم بالغير ، بل هو موجد لمعنى في الغير ، على ما سيأتي توضيحه
انشاء الله تعالى.
الامر الثاني :
لا اشكال في أن المعاني المرادة من
الألفاظ على قسمين منها : ما
تكون اخطارية ، ومنها : ما تكون ايجادية.
اما الأولى : فكمعاني الأسماء حيث إن
استعمال ألفاظها في معانيها يوجب اخطار معانيها في ذهن السامع واستحضارها لديه ، والسر
في ذلك هو ما ذكرناه من أن المفاهيم الاسمية لها نحو تقرر وثبوت في وعاء العقل ، الذي
هو وعاء الادراك ، فيكون استعمال ألفاظها موجبا لاخطار تلك المعاني في الذهن.
واما الثانية : فكمعاني الحروف حيث إن
استعمال ألفاظها موجب لايجاد معانيها من دون ان يكون لمعانيها نحو تقرر وثبوت مع
قطع النظر عن الاستعمال ، بل توجد في موطن الاستعمال ، وذلك ككاف الخطاب وياء
النداء ، وما شابه ذلك ، بداهة انه لولا قولك يا زيد وإياك ، لما كان هناك نداء
ولا خطاب ، ولا يكاد يوجد معنى ياء النداء وكاف الخطاب الا بالاستعمال وقولك يا
زيد وإياك ، فنداء زيد وخطاب عمرو انما يوجد ويتحقق بنفس القول ، فتكون ياء النداء
وكاف الخطاب موجدة لمعنى لم يكن له سبق تحقق ، بل يوجد بنفس الاستعمال ، لوضوح انه