ولكن لا يذهب عليك ، ان هذه الاشكالات
كلها مبنية على أن جهة عبادية الوضوء انما تكون من ناحية امره الغيري ، وهو بمعزل
عن التحقيق ، بل الوضوء انما يكتسب العبادية من ناحية الامر النفسي المتوجه إلى
الصلاة بما لها من الاجزاء والشرائط ، بداهة ان نسبة الوضوء إلى الصلاة كنسبة
الفاتحة إليها من الجهة التي نحن فيها ، حيث إن الوضوء قد اكتسب حصة من الامر
بالصلاة لمكان قيديته له ، كاكتساب الفاتحة حصتها من الامر الصلواتي لمكان جزئيتها
، فكما ان الفاتحة اكتسبت العبادية من الامر الصلواتي ، كذلك الوضوء اكتسب
العبادية من الامر الصلواتي بعد ما كان الامر الصلواتي عباديا ، وكذا الحال في
الغسل والتيمم.
فان
قلت : نسبة الوضوء إلى الصلاة كنسبة الستر
والاستقبال إليها ، فكيف اكتسب الوضوء العبادية ، ولم يكتسب الستر والاستقبال
العبادية؟.
قلت
: التفاوت بين الطهارات الثلث وغيرها من
القيود التي لا يعتبر ايقاعها على وجه العبادية ، انما هو من ناحية الملاك ، حيث
إن الملاك الذي اقتضى قيدية الوضوء للصلاة اقتضاه على هذا الوجه ، أي وقوعه على
وجه العبادية ، بخلاف ملاكات سائر الشروط ، حيث لم تقتضي ذلك.
والحاصل : ان عبادية الامر الصلواتي
انما يكون بمتمم الجعل ، على ما تقدم تفصيله ، وذلك المتمم انما اقتضى عبادية
الامر بالنسبة إلى خصوص الاجزاء والطهارات الثلث ، دون غيرها من الشرائط ، ولا
منافاة في ذلك بعد ما كان استكشاف العبادية بأمر آخر اصطلحنا عليه بمتمم الجعل.
فتحصل ان الوضوء انما اكتسب العبادية من
الامر الصلواتي ، والامر الغيري بالوضوء على القول به انما يكون متأخرا عن الامر
الصلواتي الذي اخذ الوضوء حصة منه ، فالامر الغيري لايكون له جهة العبادية ، حتى
يستشكل بان الأوامر الغيرية توصلية ، وكذا عبادية الوضوء لا يتوقف على الامر
الغيري ، وان كان الامر الغيري متوقفا عليها ، فلا دور.
واما مسألة الثواب فقد عرفت الوجه فيها
في الامر المتقدم ، فترتفع الاشكالات بحذافيرها.