وحيث قد عرفت عدم سلامة هذه الوجوه ، فيقع
الكلام ح في الامر الثالث من الأمور التي أردنا تمهيدها.
الامر الثالث :
وهو انه لا أصل في المسألة
يعين أحد طرفيها ، فلا أصالة التوصلية تجرى في المقام ولا أصالة التعبدية فيما لم
يحرز توصليته وتعبديته. اما جريان أصالة التوصلية ، فلا نعقل لها معنى سوى دعوى : ان
اطلاق الامر يقتضى التوصلية ، وحيث قد عرفت امتناع التقييد فلا معنى لدعوى اطلاق
الامر ، فان امتناع التقييد يستلزم امتناع الاطلاق ، بناء على ما هو الحق : من أن
التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة ، كما هو طريقة سلطان المحققين
ومن تأخر عنه.
وعليه يبتنى عدم استلزام التقييد
للمجازية. والسر في ذلك : هو ان الاطلاق انما يستفاد ح من مقدمات الحكمة ، وليس
نفس اللفظ متكفلا له ، كما هو مقالة من يقول : بان التقابل بينهما تقابل التضاد ، وعليه
يبتنى كون التقييد مجازا. ومن مقدمات الحكمة عدم بيان القيد مع أنه كان بصدد
البيان ، ومن المعلوم : ان هذه المقدمة انما تصح فيما إذا أمكن بيان القيد حتى
يستكشف من عدم بيانه عدم اعتباره ، لا فيما إذا لم يمكن كما فيما نحن فيه ، فان
عدم بيان ذلك انما يكون لعدم امكانه لا لعدم اعتباره كما هو واضح. بل لو قلنا : ان
التقابل بين الاطلاق والتقييد هو التضاد ـ كما هو مسلك من تقدم على سلطان المحققين
ـ كان الامر كذلك ، فان الاطلاق يكون ح عبارة عن الارسال والتساوي في الخصوصيات ، وهذا
انما يكون إذا أمكن التقييد بخصوصية خاصة ، والا فلا يمكن الارسال كما هو واضح.
وبالجملة : بعد امتناع التقييد بقصد
الامر وغير ذلك من الدواعي لا يمكن القول بأصالة التوصلية اعتمادا على الاطلاق ، إذ
لا اطلاق في البين يمكن التمسك به.
والعجب من الشيخ قده ، فإنه مع تسليمه
كون امتناع التقييد يوجب امتناع الاطلاق ، ولكن مع ذلك يقول في المقام : ان ظاهر
الامر يقتضى التوصلية ، ولم يظهر لنا المراد من الظهور ، إذ لا نعقل للظهور معنى
سوى الاطلاق ، والمفروض انه هو