فسرناها في أول
العنوان ، هي عبارة عن الوظيفة التي شرعت لأجل ان يتعبد العبد بها ، فالصلاة
المأتى بها بعنوان التعبد واظهارا للعبودية هي المأمور بها ، والامر بها على هذا
الوجه بمكان من الامكان ، والمكلف يتمكن من اتيان الصلاة كذلك ، بان يأتي بالصلاة
اظهارا للعبودية. وحينئذ فللمكلف ان يأتي بالصلاة على هذا الوجه ، من دون ان يقصد
الامر ، ولا الجهة ، ولا غيرهما من الدواعي ، فتقع عبادة. وله ان يأتي بها بداعي
الامر أو الجهة ، ويكون ذلك محققا لعنوان العبادة في الصلاة ومحصلا لها ، من دون
ان يتعلق امر بتلك الدواعي أصلا ، إذ ليس حصول العبادة منحصرا بتلك الدواعي ، حتى
نقول : لابد من تعلق الامر بها ، بل عبادية العبادة انما هي امر آخر وراء تلك
الدواعي ، وذلك الامر الآخر عنوان للمأمور به وكيفية له يمكن تعلق إرادة الفاعل به
، غايته ان بتلك الدواعي أيضا يمكن تحقق العنوان هذا.
ولكن
هذا الوجه مما ينبغي القطع بعدمه ، لوضوح ان الملاك في العبادية انما هو فعلها
بأحد الدواعي القريبة كما يدل عليه الاخبار ، فلو أتي بالفعل لا بأحد تلك الدواعي
تبطل ، كما أنه لو أتى بها بأحد تلك الدواعي تصح ولو فرض محالا عدم حصول ذلك
العنوان في المأمور به ، فالعبرة في عبادية العبادة انما هي بتلك الدواعي.
الوجه الثاني :
هو ان يكون الامر التعبدي بهوية ذاته
يقتضى عدم سقوطه الا بقصده ، بحيث يكون هناك خصوصية في ذاته تستدعى ذلك ، من دون
ان يؤخذ ذلك في متعلقه ، ويكون الميز بين التعبدي والتوصلي بنفس الهوية وان اشتركا
في البعث والطلب ، نعم لابد هناك من كاشف يدل على أن الامر الفلاني تعبدي أو توصلي
هذا.
ولكن
يرد عليه :
أولا : عدم انحصار التعبدية بقصد الامر ،
بل يكفي سائر الدواعي أيضا.
وثانيا
: ان هذه دعوى لا شاهد عليها ، إذ نحن لا
نتعقل ان يكون هناك خصوصية في ذات الامر تقتضي التعبدية ، بحيث يكون ذات الامر
يقتضى قصد نفسه تارة ، وأخرى لا يقتضيه ، حتى يكون الأول تعبديا ، والثاني توصليا ،
بل الامر في