النفس للعضلات في
كلا المقامين على نسق واحد. نعم ربما تختلف الإرادة بالشدة والضعف كسائر الكيفيات
النفسانية ، الا ان الإرادة ما لم تكن واصلة إلى حد الشوق المؤكد الذي لا مرتبة
بعده لا تكون مستتبعة لتصدي النفس. هذا في طلب الفاعل وارادته ، وقس على ذلك طلب
الآمر ، فإنه لا يختلف بعث الآمر حسب اختلاف ملاكات البعث ، بل إنه في كلا
المقامين يقول : افعل ، ويبعث المأمور نحو المطلوب ، ويقول مولويا : اغتسل للجمعة ،
كما يقول : اغتسل للجنابة.
فدعوى اختلاف الطلب في الشدة والضعف ، وكون
ذلك هو المايز بين الوجوب والاستحباب مما لاوجه لها ، بل العرف والوجدان يكذبها
وان قال به بعض الأساطين.
والذي ينبغي ان يقال : هو ان الوجوب
انما يكون حكما عقليا ، لا انه امر شرعي ينشأه الآمر حتى يكون ذلك مفاد الصيغة ومدلولها
اللفظي ، كما هو مقالة من يقول بوضعها لذلك ، ومعنى كون الوجوب حكما عقليا ، هو ان
العبد لابد ان ينبعث عن بعث المولى الا ان يرد منه الترخيص بعد ما كان المولى قد
اعمل ما كان من وظيفته وأظهر وبعث وقال مولويا : افعل ، وليس وظيفة المولى أكثر من
ذلك ، وبعد اعمال المولى وظيفته تصل النوبة إلى حكم العقل من لزوم انبعاث العبد عن
بعث المولى ، ولا نعنى بالوجوب سوى ذلك.
وبما ذكرنا يندفع ما استشكل : من أنه
كيف يعقل استعمال الصيغة في الأعم من الوجوب والاستحباب ، كما ورد في عدة من
الاخبار ذكر جملة من الواجبات والمستحبات بصيغة واحدة كقوله : اغتسل للجمعة ، والجنابة
، والتوبة ، وغير ذلك ، فإنه لو كان الوجوب عبارة عن شدة الطلب ، والاستحباب عبارة
عن ضعفه لكان الاشكال في محله ، بداهة انه لا يعقل ان يوجد الطلب بلا حد خاص من
الشدة والضعف ، إذ لا يمكن وجود الكلي بلا حد.
واما بناء على ما قلناه من معنى الوجوب
فلا اشكال فيه ، إذ ليس الطلب منقسما إلى قسمين ، بل الطلب انما يكون عبارة عن
البعث ، وهو غير مقول بالتشكيك والصيغة في جميع المقامات لم تستعمل الا لايقاع
النسبة بداعي البعث والتحريك