إليه، فكيف يكون مثل هذا تقيّة؟! لأنّ المراد من الرشد و الصّواب ما هو في الواقع رشد و صواب، لا من جهة التقيّة و دفع الضّرر، و إلاّ فجميع ما ذهب إليه العامّة يصير رشدا و صوابا. و أيضا إذا كان رشدا و صوابا فلم حكمت بأنّه تقيّة، و مخالف لمذهب الشيعة.؟! الثّاني: إنّه غير خفيّ على من له أدنى اطّلاع و تأمّل أنّ العامّة بأدنى شيء كانوا يتّهمون الشيعة بالرّفض، و أذيّتهم للشيعة إنما كانت بالتهمة غالبا، و هذه كانت طريقتهم المستمرّة في الأعصار و الأمصار، فكيف يكون الحال إذا رأوا أنّهم يفعلون فعلا لا يوافق مذهبا من مذاهبهم و لا يقول به أحد منهم؟! إذ لا شبهة في أنّهم كانوا يتّهمون بذلك، بل بمثل ترك التكتّف في الصلاة كانوا يتّهمون، مع أنّه مذهب مالك رئيسهم الأقدم الأعظم في ذلك الزمان و غيره.
و الأئمّة (عليهم السلام) كانوا يأمرون بمثل التكتّف [1] و أدون منه كما لا يخفى على متتبّع الأخبار، و كانوا يبالغون في احترازهم عن أسباب التهمة، فكيف كانوا يأمرون بما لم يوافق مذهبا من مذاهبهم.
بل غير خفي أنّ العامّة ما كانوا مطّلعين على [1] مذهب الشيعة في ذلك الزمان من الخارج إلاّ نادرا، و كانوا كلّما يرون مخالفا لمذهبهم يعتقدون أنّه مذهب الشّيعة، و يبادرون بالأذيّة، و ما كانوا يصبرون إلى أن يروا ما يخالف
[1] منها ما ورد في رواية إسحاق بن عمّار عن أبي عبد اللّه (عليه السلام): قال قلت له أ يضع الرّجل يده على ذراعه في الصلاة؟ قال: (لا بأس.). إلخ. راجع مستدرك الوسائل 5: 421 الباب 14 من أبواب قواطع الصلاة.