نام کتاب : العدة في أصول الفقه نویسنده : الشيخ الطوسي جلد : 2 صفحه : 493
و ذلك أنّ اللَّه تعالى إنّما ينسخ الحكم بغيره إذا علم أنّ صلاح المكلّف في الثّاني، و قد يجوز أن يكون صلاحه فيما هو أشقّ من الأوّل كما يجوز أن يكون صلاحه فيما هو أخفّ، فإذا صحّ ذلك، و لم يكن الأمر في التّكليف موقوفا على اختيار المكلّف، لكنّه بحسب المعلوم، فكيف يمنع من جواز نسخ الشّيء ممّا هو أشقّ منه؟ و هل يذهب ذلك إلاّ على من لا يعرف أصل هذا الباب؟ و لا فرق بين من قال هذا، و بين من قال: «لا يجوز أن يكلّف اللَّه ابتداء ما يشقّ» على ما يذهب إليه قوم من التّناسخيّة [1] و القرامطة [2]، و قد ورد النّسخ بذلك، أ لا ترى و من الظاهريّة من أجازه عقلا، و منع منه سمعا. انظر: «التبصرة: 258، المعتمد 1: 385، الأحكام للآمدي 3: 125، الذريعة 1: 420، شرح اللّمع 1: 493، روضة النّاظر: 43، ميزان الأصول 2: 1000، أصول السرخسي 2: 62».
>[1] التناسخ عبارة عن تعلّق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن لآخر من غير تخلّل زمان بين التّعليقين، و ذلك لوجود الارتباط الوثيق بين الرّوح و الجسد، بحيث يستحيل وجود و بقاء أحدهما دون الآخر. و يقال: إنّ أول من ابتدع هذه الفكرة هو عبد اللَّه بن الحارث المدائني استنادا إلى بعض الآيات و الروايات. و تدور هذه الفكرة حول انتقال الروح في أجسام عديدة بحسب قربها و بعدها عن الخير، فالكفار تنتقل أرواحهم إلى أجساد الحيوانات المشوهة المذمومة، و المؤمنين تنتقل أر واحهم إلى أجساد طاهرة، فهذه حالهم إلى أبد الآبدين. و بناء على هذه المقولة فإنّ استقرار الروح في إحدى الجسدين يعدّ عاقبة الصّالحين و الطّالحين، فلا جنّة و لا نار و لا بعث و لا قيامة. و قد اعتقدت أكثر فرق الغلاة و المشبّهة و المجسّمة بالتناسخ و قالت به.
[2] من فرق الإسماعيليّة الباطنيّة، و هذه النسبة جاءت من رجل يدعى حمدان بن الأشعث الملقّب بقرمط من أهالي الأهواز، الّذي كان على مذهب عبد اللَّه بن ميمون القدّاح، و قد تمكّن القرمطي من تبوّإ الرئاسة بين أتباع ابن ميمون و بعث بدعاته إلى بلاد هجر و جنوب العراق، و في أواخر القرن الثّالث للهجرة استطاع أتباعه من احتلال البحرين و إقامة دولتهم فيها و من هناك بدءوا بنشر دعوتهم في الأهواز و العراق و الشّام و اليمن و كانوا يدعون للثورة ضدّ الخلافة العبّاسية و حاربوها مرارا و هزموا جيوشها في البصرة عام 288 ه و في الشّام و مواقع أخرى. و كانوا يكفّرون جميع المسلمين و يستنكرون حجّهم إلى بيت اللَّه الحرام، و قد هاجموا قوافل الحجيج مرّات عديدة و قتلوا منهم عشرات الألوف، و أخيرا أغار أبو طاهر القرمطي يوم 8 ذي الحجّة عام 317 ه على مكّة المكرّمة و قتل و أسر آلاف الحجيج و أخذ معه حجر الأسود إلى الأحساء فبقي فيها مدّة عشرين سنة إلى أن أعيد إلى مكانه بمساعي الخليفة الفاطمي. و بقيت القرامطة إلى القرن الخامس الهجري لكنّها تبدّلت إلى لصوص و قطاع طرق تهجم على القوافل إلى أن اضمحلّت و بادت.
نام کتاب : العدة في أصول الفقه نویسنده : الشيخ الطوسي جلد : 2 صفحه : 493