النسخ والبداء
بقي الكلام في حقيقة النسخ والبداء: حقيقة النسخ
امّا النسخ فتفصيل الكلام فيه انه تارة: يكون الحكم الثابت أولا صوريا
ظاهريا بداعي الامتحان ونحوه ثم يصدر ناسخ له، وهذا خارج عن النسخ المصطلح،
ولا إشكال في إمكانه بل وقوعه، إذ لا مانع من ان يتكلم المولى لمصلحة فيه.
و أخرى: يكون حكما حقيقيا بداعي البعث والزجر. وهذا على أقسام: فانه امّا
ان يكون في مقام الإثبات محدودا بحد خاص، وهو أجنبي عن النسخ، وامّا ان
يكون مهملا في مرحلة الإثبات ثم يرد الثاني فيكون مبنيا لإجماله لا ناسخا
له، فجميع هذه الأقسام خارجة عن النسخ المصطلح. وامّا ان يكون بحسب مقام
الإثبات مطلقا دالا على الاستمرار وضعا أو إطلاقا فيرد الدليل الثاني ويرفع
ذاك الاستمرار، فيكشف عن عدم كونه مرادا جديا من أول الأمر، نظير التخصيص
في الافراد، وهذا هو المراد من النسخ اصطلاحا، كما هو المناسب للفظه لغة،
فانه يقال «نسخت الشمس الظل»إذا رفعته.
و قد خالفنا في جوازه اليهود، فذهبوا إلى استحالة النسخ في الأحكام
الشرعية، وتبعهم النصارى في ذلك، حيث ذهبوا إلى انّ موسى عليه السّلام أول
من أتى بالشريعة، وقبله لم تكن أحكام من الشارع سوى نفي الشرك، وهو الّذي
جاء بالناموس أي التابوت فيه أحكام اللّه، وهي ثابتة لا تنسخ، وقد وقعوا في
الإشكال من حيث ذهابهم إلى نسخ بعض أحكام التوراة، وليس لنا غرض بالتعرض
لذلك.