بقدم
العالم لجريان هذا الكلام هناك أيضا، وقد ذكر العلاّمة قدّس سرّه في منهجه
انّ الفرق بين الفلسفة والإسلام هو ذلك، فانّ الفلاسفة يقولون بان كل فعل
متوقف على موجب، لأنه ما لم يجب لم يوجد، بخلاف الإسلام إذ ليس من هذه
العناوين كعنوان العلّية والمعلولية في الأخبار عين ولا أثر، والمذكور فيها
انما هو احتياج الفعل إلى الفاعل وإلى الصانع، واحتياج الخلق إلى الخالق.
و بالجملة الفارق المذكور في كلامهم لا يكون مؤثرا في دفع شبهة الجبر وقدم العالم مثقال ذرة، وانما هو فرق اصطلاحي لمجرد التعبير.
فالجواب الصحيح عن كلامهم هو ما تقدم من انّ ما يتوقف عليه الفعل انما هو
الفاعل ولو كان مختارا، فان شاء يعمل قدرته ويجعلها فعلها أي بفعله، وان لم
يشأ لم يفعله، نعم لا بدّ وان يكون ذلك لفائدة مترتّبة عليه، امّا راجعة
إلى نفسه أو إلى غيره، وامّا الموجب فلم يدل دليل على اعتباره لا شرعا ولا
عقلا.
و بهذا تندفع شبهة الجبر وشبهة قدم العالم، وما تخيّلوه من ترتب عقول عشرة
وانّ المخلوق الأول هو العقل الأول، ثم بقية العقول بحسب الترتيب إلى ان
ينتهي الأمر إلى النفوس الفلكية، ثم إلى عالم الطبيعة، فانّ كل ذلك مبني
على الجبر وانّ الشيء ما لم يجب لم يوجد، وإلاّ فالبارئ فاعل مختار إذا
رأى المصلحة في إيجاد شيء قبل ألف سنة يوجده في ذلك الظرف، وإذا رأى
المصلحة في إيجاده بعد ألف سنة يوجده في ذلك الزمان، فلا يلزم القدم، وهذا
هو الّذي يستفاد من الأخبار ويراه الإنسان وجدانا ولذا ذكر الشيخ في
الرسائل انّ ضرورة الأديان قد دلّت على حدوث العالم، فان كانت هناك شبهة،
كاستحالة الخلق المعلول عن العلّة، فهي شبهة في مقابل البديهيّة[1].