و أمّا ما اشتهر من ان عدم المانع من المقدّمات فمورده سبب الضد، فانه إذا كان لكل من الضدين مقتض فمع تساوي المقتضيين يمتنع تأثيرهما، لأن عدم المزاحم في التأثير شرط، و كلّ منهما قابل للمزاحمة، و ان كان أحدهما أقوى كان التأثير لا قوى المقتضيين لاستحالة مزاحمة الضعيف للقوي دون العكس، فالقوي واجد لشرطه و هو عدم المزاحم دون الضعيف. فانه فاقد للشرط، لا ان عدم تأثيره مستند إلى ضعفه، لأنه لو كان وحده لكان تام الاقتضاء. و بقية الكلام في النهاية [1].
و امّا توهّم ان استناد عدم التأثير إلى وجود المانع المزاحم فرع وجود المقتضي بشرائطه- و هذا الفرض محال، لأن فرض وجود المقتضي للضدّين مرجعه إلى اقتضاء المحال و هو محال- فمدفوع بان التضادّ انّما هو بين الشيئين بوجودهما الخاصّ بهما في نظام الوجود، لا بين ثبوتهما العرضي بثبوت المقتضي، و مورد استحالة اقتضاء المحال هو ان يكون شيء واحد مقتضياً لأمرين متنافيين، لا شيئان كلّ منهما يقتضي ما ينافي ما يقتضيه الآخر، فان سبب البياض- مثلًا- لا يقتضي إلا البياض، و سبب السواد لا يقتضي إلا السواد، و لا سبب يقتضي البياض و السواد حتى يكون من اقتضاء المحال. و اما عدم اجتماع الإرادتين لضدين فليس من باب اقتضاء المحال، لأن الإرادة هي الجزء الأخير من العلّة التامة، ففرض الإرادتين فرض المرادين بحسب وجودهما المختص بهما في نظام الوجود. و امّا تحقق إحدى الإرادتين دون الأخرى فلا محالة لأقوائيّة الغرض الباعث في إحداهما من الغرض في الأخرى، فقد انتهى الأمر إلى مانعيّة القوي عن تأثير الضعيف. فتدبّر جيّداً.