و على هذا الأسلوب جرى في جميع أراجيزه البالغة 24 أرجوزة، فجاء أسلوباً فلسفياً علمياً مبتكراً لم يمدح على غرارها النبي و آله عليهم الصلاة و السلام. و ما أبدع ما مدح به إمامنا زين العابدين (عليه السَّلام) ذاكراً صحيفته السجادية (زبور آل محمَّد) فقال:
و نفسه اللطيفة الزكية* * * صحيفة المكارم السنية
بل هي أُمّ الصحف المكرمة* * * جوامع الحكمة منها محكمة
بل الحروف العاليات طراً* * * تحكي عن اسمه العلي قدراً
هو الكتاب الناطق الربوبي* * * و مخزن الأسرار و الغيوب
يفصح عن مقام سرّ الذات* * * يعرب عن حقائق الصفات
إلى أن يقول:
و حاله أبلغ من مقاله* * * جلّ عن الوصف لسان حاله
فإنه معلّم الضراعة* * * و الاعتراف منه بالإضاعة
مقامه الكريم في أقصى الفنا* * * تراثه من جدّه حين دنا
و أعلى آثاره الفلسفية و أغلاها أرجوزته في الحكمة و المعقول (تحفة الحكيم) التي هي آية من آيات الفن مع أسلوبها العالي السهل الممتنع، جمعت أصول هذا الفن و طرائف هذا العلم بتحقيق كشف النقاب عن أسراره و أزاح الستار عن شبهاته، و ان دلت على شيء فانما تدل على أن ناظمها من أعاظم فلاسفة الإسلام الذين لا يسمح بمثلهم الزمن إلا في فترات متباعدة، لو لا أن شيخنا غلب عليه الفقه و الأصول و انقطع إليهما عن الظهور بالفلسفة.
و إليك بعض أبيات أرجوزته شاهدة على سلامة ذوقه، و قدرته على التصرف بالألفاظ السهلة الواضحة في أدق المعاني العلمية، فقد قال في «أصالة الوجود»:
يختصّ بالوجود طرد العدم* * * إذ ما سواه عدم أو عدمي
و ليست العلة للمعلول* * * مناط طرد العدم البديل
و هو مدار الوحدة المعتبرة* * * في الحمل بل كانت به المغايرة