في السّببيّة بمعنى التّأثير يدلّ بالالتزام على منع جريانه في السّببيّة
بالمعنى المعروف كما أنّ منع الاستصحاب في الوجوب يدلّ على منعه فيالإيجاب
أيضا فتأمّل
أمّا عدم ظهور عقده الإيجابي فواضح لأنّ الّذي ذكره فيما تقدّم ليس إلاّ
النّفي و أمّا الإثبات فلم يذكره أصلاو لا يظهر من كلامه جزما و قد صرّح
بما ذكرنا جماعة من شرّاح الوافية فراجع في وجه ظهور كلام الفاضل في اختصاص محلّ البحث
قوله
فظاهر كلامه حيث جعل محلّ الكلام إلخ(1) أقول
الوجه في ظهور كلامه في اختصاص البحث بالاستصحاب في الحكم الشّرعي على ما
ذكره دام ظلّه شيئان أحدهما عنوان الاستصحاب في الأدلة العقليةفإنّه يقتضي
تخصيص الكلام بالاستصحاب في الحكم الشّرعي ثانيهما تخصيصه تقسيم المستصحب
بالحكم الشّرعي فلو كان المراد هو الأعمّ لجعل التّقسيم أيضاأعمّ من الحكم
الشّرعي و أيضا كلامه في الاستصحاب المختلف فيه و حجيّة الاستصحاب ممّا لا
خلاف فيه عند الأخباريّين فالحكم بجريان الاستصحابالمختلف فيه في الشّبهة
الموضوعيّة ممّا لا معنى له هكذا ذكره دام ظلّه في مجلس البحث و لكنّك خبير
بإمكان دفع هذا الإيراد عنه لأنّتخصيص العنوان لا يقضي بتخصيص النّزاع و
عدم جعل المقسم أعمّ إنّما هو من جهة كون محطّ نظره إثبات عدم الشّك في
الحكم الشّرعيفلا يجري فيه الاستصحاب و أمّا إمكان الشّك في الحكم الوضعي
بالمعنى الّذي ذكره فهو ممّا لا يحتاج إلى البيان و كون حجيّة
الاستصحابعند الأخباريّين مسلّما لا يقضي بمنافاته لما ذكره على تقدير
كونه منهم و القول بأنّ حجيّة الاستصحاب في الموضوع باعتقادهم ممّا
اتّفقعليه الكلّ فلا معنى لما ذكره فاسد بعد تسليم كون اعتقاد جميعهم ذلك
لأنّ مقصوده ليس بيان وقوع الخلاف في حجيّة الاستصحابفيما ذكره بل المقصود
بيان الاستصحاب الّذي وقع الخلاف في نوعه لا مجرى له إلاّ في الأحكام
الوضعيّة فتدبّر قوله
و لا يخفى أن هذهالأمور الشّرعيّة إلخ(2) أقول
الأولى في الجواب على هذا التّقدير ما ذكره في مجلس البحث من أنّ هذه
الأمور إذا كانت مسبّبةعن أسباب فلا بدّ من نقل الكلام إليها فيقال إنّ حكم
الشارع بسببيّتها لها إمّا أن يكون دائميّا أو موقّتا إلى آخر ما ذكره فلا
مجرىللاستصحاب بالنّسبة إليها لعين ما ذكره في طيّ كلامه السّابق و هذا
الإيراد ممّا لا مدفع له و أمّا ما ذكره في الكتاب في جواب الدّعوىفربما
يناقش فيه بأنّ نقل ذلك عن الشّهيد لا يقضي بمصيره إليه ثمّ
إنّ قوله دام ظلّه فهما اعتباران إلخ بيان لما أراده الشّهيد رهمن كلامه
لأنّ من المقطوع عدم إرادته كون النّجاسة عين وجوب الاجتناب فهذا تعبير
بمنشإ الانتزاع تسامحا كما وقع عن غيره أيضافي محلّ البحث قوله
إذ مع استصحابها لا يبقى الشّك إلخ(3) أقول
لا يخفى عليك أنّ المراد من عدم بقاء الشّك في وجودها هو عدمبقائه على
سبيل الحكومة لا الحقيقة اللّهمّ إلاّ أن يراد من الشّك هو الشّك الّذي
يصحّ معه إجراء الاستصحاب و من المعلوم عدموجوده بالنّسبة إلى الحكم بعد
إجراء الأصل بالنّسبة إلى الموضوع أو يراد منه هو الشّك في الحكم الظّاهري
فإنّه بعد البناء على كونمعنى الاستصحاب الموضوعي هو ترتيب الأحكام
المترتّبة عليه شرعا لا يبقى مجال للشّك في وجودها الظّاهري و إلاّ لزم
إمّا عدم حجّيةالاستصحاب و هو خلف أو كون معنى الاستصحاب الموضوعي غير ما
ذكر و هو خلف أيضا فتأمّل في تقرير شبهة أنّ الشّك في بقاء الحكم الشرعي يرجع إلى الشّك في الموضوع
قوله
ثمّ اعلم أنّه بقي هاهنا شبهة(4) أقول
الفرق بين الشّبهتين مع رجوع كلّ منهما إلى منع جريان الاستصحاب لا يكاد
أن يخفى حيث إنّ ما ذكره الفاضل التّوني قدس سرهراجع إلى منعه في الحكم
الشّرعي من حيث قيام الدّليل على ثبوته في الزّماني أو ارتفاعه على أحد
الوجهين في كلامه و هذه الشّبهة راجعةإلى كون الشّك المتحقّق دائما من
الشّك في الموضوع فلا معنى لجريان الاستصحاب فيه و قد تقدّم في بعض الكلام
في هذه الشّبهةو دفعها عند التّكلّم في تقسيم الاستصحاب في أوّل الكتاب من
الأستاذ العلاّمة و قد ذكرنا هناك أيضا ما يقتضيه التّحقيق و لكنلا بأس
بالإشارة إليها و دفعها في المقام أيضا تبعا لشيخنا الأستاذ العلاّمة فنقول
إنّ ملخّص الشّبهة هو أنّ الشّك فيبقاء الحكم الشّرعي و عروض الشّكّ فيه
لا بدّ من أن يكون من جهة زوال ما كان في الحالة السّابقة ممّا احتمل
مدخليّته في موضوعالحكم و تقوّمه به سواء كان وجود شيء أو عدم شيء و
سواء كان من الزّمان فيما احتمل مدخليّته و كان الشّك في البقاء مسبّباعنه
كما في جملة من الموارد مثل خيار الغبن و غيره أو من غيره فيرجع الشّك
دائما إلى الشّك في خلل في الموضوع توضيح ذلك أنّهإذا حكم الشارع بحكم
الموضوع كلّي في زمان فلا يخلو إمّا أن يلاحظه مجرّدا من جميع الخصوصيّات و
الأحوال حتّى الزّمان و هذا ممّا لا يعقلالشّك في بقائه أبدا إذ مع القطع
ببقاء ما هو الموضوع للحكم في الزّمان الثّاني حسب ما هو قضيّة الفرض لا
يعقل الشّك في بقاءالحكم فيه كما لا يخفى أو يأخذ فيه بعض الخصوصيّات سواء
كان من الزّمان أو غيره فما دامت الخصوصيّة موجودة مع الموضوع فلا
يعقلالشّك في بقاء الحكم أيضا و إن عدمت فلا يعقل الشّك في عدمه كما هو
واضح و إن شكّ في الوجود و العدم فيرجع الشّك إلىالشّك في بقاء الموضوع أو
لا يعلم الحال في كيفيّة جعل الشّارع فيحتمل أخذه لما هو مفروض الانتفاء
في الزّمان الثّاني و عدمه فيرجع