اعتبار اليقين السّابق من حيث هو هو و لا دخل له به و إلاّ لجاز التّمسك
على اعتبار كثير من الأمور بوجود بعض ما حكم باعتباره فيبعض موارده و هذا
حدّ يرغب أهل العلم عنه ثمّ
إنّ هنا توهّما آخر لم يشر الأستاذ العلاّمة إلى فساده و هو جريان
الاستصحابفي الحكم الاعتقادي الظّاهري المتحقّق باليقين السّابق و يسمّى
في لسان جماعة ممّن عاصرناه أو قارب عصرنا بالاستصحاب العرضي و هو كما
ترىفإنّ الحكم الظّاهري الثّابت في صورة الاعتقاد على تقدير ثبوته مترتّب
على نفس الاعتقاد فبقاؤه مع ارتفاع الاعتقاد ممّا لا يعقل لهمعنى و إلاّ
لزم قيام العرض بعد معروضه في غير موضوع و كلاهما ممّا يشهد بداهة العقل
باستحالته الأمر الثالث أن يكون كل من البقاء ما أحرز حدوثه سابقا و ارتفاعه غير معلوم
قوله
الثّالث أن يكون كلّ منها إلى آخره(1) أقول
لا إشكال في عدم جريان الاستصحاب مع وجود العلم في مورده سواء كان على طبق
الحالة السّابقة أو على خلافها بل لا يعقل الإشكالفي ذلك ضرورة استحالة
تعبّد الشارع المكلّف مع علمه على طبق علمه أو على خلافه على ما عرفت تفصيل
القول فيه في الجزء الأوّل من التّعليقةسواء في ذلك على القول باعتبار
الاستصحاب من باب التّعبّد أو الظّن و هذا ليس مختصّا بالاستصحاب بل
الموضوع في جميع الأدلّةو الأصول يرتفع بعد حصول العلم في مواردها لأنّها
بأسرها مجعولة في موضوع عدم العلم إذ التّعميم محال فإن شئت قلت إنّ
الشّكمأخوذ في الاستصحاب مطلقا و ارتفاعه بالعلم ضروريّ فالدّليل العلمي
مطلقا وارد على الاستصحاب بالضّرورة و لم يتوهّم أحد خلافما ذكرنا و أمّا
ما يتراءى من جمعهم في التّمسّك بين الدّليل العلمي و الاستصحاب كثيرا ما
أو غير الاستصحاب من الأصول و الأدلّة الظنيّةفإنّما هو مبنيّ على الإغماض
عن وجود الدّليل العلمي في المسألة كما عرفت شرح القول فيه في مطاوي
كلماتنا السّابقة فعدم قيامالدّليل العلمي في المسألة مطلقا شرط في جريان
الاستصحاب في أنّ وجود العلم في مورد الاستصحاب يمنع عن جريانه مطلقا
قوله
إنّما الكلام فيما أقامه الشّارع مقام العلم بالواقع إلخ(2) أقول
لا يخفىعليك ما في هذا الكلام من التّسامح لأنّ قيام الشّيء مقام العلم
لا يوجب حصول العلم منه بالبقاء و الارتفاع فيما قام عليه و العلم
بالحجيّةأو وجوب العمل ليس له دخل بالعلم بالارتفاع أو البقاء و منه يظهر
فساد ما وقع من بعض من أنّ المراد باليقين أو العلم في أدلّة الأصولأعمّ
من العلم الوجداني و الشّرعي فمفاد الدّليل الظنّي المعتبر و إن لم يكن
علما بالمعنى الأوّل إلاّ أنّه علم بالمعنى الثّاني ثمّ
إنّ المقصود ممّاأقامه الشّارع مقام العلم بالواقع هو كلّ أمر اعتبره
الشارع من حيث كشفه الظّني عن الواقع و لو نوعا لا كلّ ما أمر بوجوب سلوكه و
لو لميكن من الحيثيّة المذكورة فإنّه خارج عن محلّ كلامه هنا ثمّ
إنّه لا فرق فيما ذكره دام ظلّه بين أن يكون الدّليل قائما على خلاف
الحالةالسّابقة أو على طبقها فإنّ التّحقيق عدم جريان الاستصحاب في الثّاني
أيضا على ما سبق القول فيه بل لا معنى للفرق بينهما عند التّأمّل وإن كان
ربّما يتوهّم الفرق بينهما بما ستقف على فساده و ما ذكرنا و إن كان ربما
يقال إنّه لا يظهر من كلام الأستاذ العلاّمة إلاّ أنّه قدصرّح به في مجلس
البحث جازما به قوله
لا ريب في العمل به دون الحالة السّابقة لكنّ الشّأن إلخ(3) أقول
بل لم يخالف فيه أحد على التّحقيقفإنّه و إن كان ربما يظهر من جماعة
كالسيّد السّند المتقدّم ذكره في طيّ الشّبهات و الفاضل القميّ و غيرهما
خلاف ذلك و أنّه قد يعملبها دونه إلاّ أنّ مقتضى التّأمّل في كلامهم عدم
إرادتهم ما ينافي ما نحن فيه على ما عرفت في توجيه كلام السيّد المتقدّم
ذكرهو ستعرف في توجيه كلام الفاضل القمّي رحمه الله ثمّ
إنّ ما يحتمل أن يكون وجها للعمل به دون الحالة السّابقة وجوه ذكرها الأستاذالعلاّمة و ذهب إلى كلّ فريق في الحكم بالتّقديم أحدها
أن يكون العمل به من باب تخصيص عموم أدلّة الاستصحاب و هذا يظهرمن جماعة ثانيها
من باب التّخصّص و هو ارتفاع موضوع الاستصحاب حقيقة لقيام الدّليل المعتبر
على خلافه كما في الدّليل العلمي ولكن تسمية هذا المعنى تخصّصا لا تخلو عن
مسامحة بل المتعيّن تسميته بالورود حسب ما سمّاه به دام ظلّه في غير مورد
من كلماتهو اعتذر عنه بأنّ المراد من التّخصّص في المقام هو عدم الشّمول و
لو بملاحظة الدّليل القائم في المسألة لا عدم الشّمول الذّاتي كمافي قوله
أكرم العلماء الغير الشّامل للجهّال ثالثها
من باب حكومة ما دلّ على اعتباره على أدلّة الاستصحاب في تحقيق الفرق بين الحكومة و الورود و التخصيص
و الفرق بين هذهالثّلاثة مفهوما لا يكاد يخفى على ذي مسكة فإنّ الأول هو
رفع الحكم عن الموضوع المندرج تحت ما يشمله بحيث يكون بلسانهناظرا إلى رفع
الحكم مع بقاء الموضوع على حاله فيحكم العقل بعد التّنافي بينهما و
أرجحيّة التّخصيص برفع اليد عن العام و الحكمبأنّ المراد منه غير مورد
الخاصّ و لازمه كما ترى وحدة الموضوع حقيقة فهذا لا ينفكّ عن التّعارض
بالضّرورة لكن هذافيما إذا لم يكن الخاصّ نصّا بحسب الدّلالة بل كان أظهر و
إلاّ فهو وارد على العام أو حاكم على ما ستقف على تفصيل القول فيه
فإطلاقالقول مبنيّ على ما ذكرنا فتدبّر
و الثّاني هو الورود و هو كون أحد الدّليلين بوجوده رافعا لموضوع الدّليل
الآخر علىفرض وجوده كالدّليل العلمي في مقابل الأصول و مثله مطلق ما يكون
معتبرا في مقابل أصالة البراءة و أصالة الاحتياط و