المقصود بالكلام في هذه الرسالة إلى آخره(1) أقول
الغرض ممّا أفاده كون المقصود الأصلي بالبحث التكلم عن حال الأصول
الحكميّة أي ما يجريفي الشبهات الحكمية و إن جرت في الشبهات الموضوعيّة
أيضا كالأصول الأربعة فإنها جارية في الشبهتين و أما الأصول الموضوعية
الصرفةأي ما لا يجري إلاّ في الشبهات الموضوعية كأصالة الصحّة في فعل الغير
و في فعل النفس و نحوهما بناء على اعتبارهما من باب التعبّد فليستمقصودة
بالبحث فإن وقع فيها كلام لمناسبة كيفيّة معارضتها مع الاستصحاب أو غيره
فهو خارج عن المقصود فالحصر المدّعى في المقامإنما هو بالإضافة إليه فلا
ينقض بخروج ما لا يجري إلاّ في الموضوعات الخارجيّة عن الأصول الأربعة فإن
المقسم على ما عرفت هو المكلّفالملتفت إلى الحكم الشرعي لا الأعمّ منه و
من الملتفت إلى الموضوع الخارجي ثمّ
إن ما أفاده من حصر الأصول الحكمية في الأربعة و كونالحصر عقليّا دائرا
بين النفي و الإثبات و بيان مجاري الأصول و مناطها و إن كان محل النقض و
الإبرام على ما عرفت شرح القول فيه فيالجزء الأول من التعليقة فلا نطيل
بالإعادة إلا أن ما أفاده في المقام في بيان مجاري الأصول أسلم عن المناقشة
ممّا أفاده في الجزءالأول من الكتاب في بيانها و إن لم يخل عن بعض
المناقشات أيضا كالحكم بتعيّن الرّجوع إلى التخيير في جميع ما لا يمكن
الاحتياط فيه إذ من مصاديقهدوران الأمر بين الحكمين الإلزاميّين و غيرهما
كالوجوب و التحريم و الإباحة مثلا مع اتفاقهم فيه على الرجوع إلى البراءة
كما ستقف على تفصيلالقول فيه و التفصّي عنه باعتبار ملاحظة الحيثيّة قد
عرفته مع فساده في الجزء الأول من التعليقة ثم إن المراد مما أفاده من
تداخل مواردالأصول بقوله و قد ظهر ممّا ذكرنا أن موارد الأصول قد تتداخل
إلى آخره ليس ما قد يسبق إلى بعض الأوهام من جريان الأصلين في مورد واحدو
إن لم يكونا متصادقين فيجري الاستصحاب في مورد جريان البراءة أو الاشتغال
كيف و يعتبر في مورد جريان الاستصحاب ترتّب الحكمعلى المشكوك و في جريان
سائر الأصول ترتب الحكم على الشك أو ما ينطبق عليه و مع ذلك لا يمكن
اجتماعه معها موردا بالمعنى المتوهّم بلالمراد مجرّد جريان سائر الأصول
فيما تفرض فيه الحالة السّابقة و إن اعتبر في جريانها عدم ترتب الحكم على
المشكوك بل على الشك أو ما ينطبق عليه في بيان المراد بأصل البراءة ما ذا
ثمّ
إن هنا أمورا ينبغي التعرض لها تبعا لجمع من أفاضل المتأخرين الأوّل
أن المراد من أصل البراءة هل هو بمعنى القاعدة أوالدليل أو الاستصحاب أو
الظاهر وجوه أوجهها على ما عرفته في معنى الأصل و مبنى البراءة و ستعرفه
أيضا هو الأول من غير فرق بين ابتنائهعلى العقل أو النقل و إن صحّ حمل
الدليل مقيّدا بالفقاهتي عليه على ما عرفته بالنظر إلى مدركه كما أنه
يتعيّن إرادة الدليل أو الظاهر منهبناء على ابتنائه على الظّن كما هو ظاهر
و أمّا الاستصحاب فلا يصحّ إرادته منه إلا على القول بالاستناد إليه في
باب البراءة كما يظهر من جماعةفي المقام و في باب الاستصحاب حيث أنهم
قسّموه باعتبار المستصحب إلى حال الشرع و إلى حال العقل و هو المسمّى
بالبراءة الأصليّة لكنّهفاسد لما عرفت و ستعرف من فساد الاستناد إليه قطعا
و في كلام غير واحد توجيه عدم إرادته بأن النسبة عموم من وجه من حيث
جريانالبراءة فيما ليس له حالة سابقة قال بعض أفاضل من قارب عصرنا في
فصوله بعد ذكر وجوه الأربعة للأصل ما هذا لفظه و المراد به هنا
المعنىالأول أعني القاعدة فالمعنى القاعدة المحرّرة في البراءة أو البراءة
دون الدليل لعدم ملائمته للمقام فإن البحث هنا عن مدلوله لا نفسهو دون
الاستصحاب و إن كان من جملة أدلّته لاختلاف مدارك المسألتين و أقوالهم
فيهما و دون الراجح إذ المراد به المظنون أو المقطوع به ولا يسمى أصلا في
عرفهم و لا خفاء في أن البراءة إن قيست إلى الواقع فقد لا يكون ظنّ بها و
إن قيست إلى الظاهر فهي مقطوع بها انتهى كلامهرفع مقامه و قال قدس سره في
مقام آخر بعد ذكر الاستصحاب من أدلة البراءة ما هذا لفظه و لا يخفى أن هذا
الدليل أخصّ من المدعى إذ بينمورد الاستصحاب و مورد أصل البراءة عموم من
وجه لجريان الاستصحاب في غير البراءة و جريان أصل البراءة حيث لا يتقدّم
براءة كمن علمبوقوع جنابة و غسل عمّا في الذمّة منه و شك في المتأخر فإن
قضيّة أصل البراءة هنا عدم تحريم جواز المسجدين و اللبث في المساجد و
قراءةالعزائم عليه مع أنه لا معنى حينئذ للاستصحاب انتهى كلامه رفع مقامه و
ذكر بعض الأفاضل بعد الجزم بالتخلف و كون النسبة العموم من وجهأنه يتخلف
البراءة في مسألة القضاء فإن مقتضى البراءة عدم وجوبه و مقتضى استصحاب
التكليف الثابت أولا وجوبه انتهى كلامه ويظهر من المحقق القمي قدس سره جواز
إرادة غير القاعدة أيضا فراجع القوانين و التحقيق ما عرفت إلا أن ما ذكره
الفاضلان لعدم جواز إرادة الاستصحابمن جهة اختلاف النسبة كما ترى فإنا لا
نتصور جريان البراءة فيما ليس له حالة سابقة في الإشكال في أنّ مفاد البراءة ليس بحكم شرعي
أما ما ذكره في الفصول مثالا لمورد التّخلف فيتوجّه عليهأن العلم الإجمالي
بوجود الجنابة و الغسل و الشك في التّقدم و التأخر مع احتمال الجنابة
السابقة أيضا كما هو لازم ما فرضه من حيث إنّ قصدالغسل عما في الذمّة مع
الالتفات يوجب العلم بتقدم الجنابة المعلومة مع عدم احتمال الجنابة السابقة
و حاصله عدم العلم بالحالة السابقةإن لم يمنع من التمسّك بالبراءة
بالنّسبة إلى الجواز في المسجدين و اللبث في سائر المساجد لم يمنع من
استصحابها و عدم الحرمة الأزليّة غاية ما