مفسدة فوت الواقع فيظهر من الأستاذ العلاّمة قدّس سرّه أنّ العمل بالاحتياط
أيضا أولى من العمل بالطريق المعتبر لو خلّي و طبعه إذ فيه إدراكللمصلحة
الأوليّة و لكن قد يشكل في ذلك بأنّه بعد فرض تدارك المصلحة الأوليّة بما
يساويها أو أقوى منها لا رجحان في إدراكها سيّما معما في الاحتياط من
المشقّة الزّائدة و إن كان فاسدا و بالجملة بناء على ما عرفت سابقا منّا لا
إشكال في جواز الأخذ بالاحتياط في مقابلالظّن التّفصيلي في الفرض و أمّا
بناء على القول بعدم الجواز في الصّورتين السّابقتين فلا إشكال في الحكم
بعدم الجواز بالنظر إلى قضيّة أكثر الوجوه المتقدّمةبل قد يقال بعدم الجواز
في المقام من وجه آخر قد عرفته سابقا و هو أنّ مقتضى ما دلّ على اعتبار
الظّن من حيث الخصوص تعيين الرجوع إليه وعدم جواز الأخذ بغيره و لكنّك خبير
بأنّه في كمال الوضوح من الفساد على ما عرفت لأنّ ما دلّ على حجيّة الظّن
لا يدلّ إلاّ على كفايته عن إحراز الواقعمن حيث البناء على أنّ مؤدّاه هو
الواقع لا أن يكون في عرض الواقع كما هو واضح و أمّا دلالته على تعيين
الأخذ به فلا كيف و لو دلّ على ذلك لدلّعلى عدم جواز الرجوع إلى العلم
التّفصيلي أيضا و هو كما ترى و بالجملة هذا التّوهم في كمال الوضوح من
الفساد و أمّا الاستدلال له بقوله دام ظلّه معإمكان أن يقال إلى آخره فهو
راجع إلى ما عرفت في الوجه الثّامن لأنّ حاصل ما ذكره دام ظلّه هو أنّه إذا
فرضنا الواجب تعبّديّا بمعنى كون الغرضمن الأمر به هو التّعبّد بإيجاده
لا حصوله بأيّ وجه اتّفق أي سواء كان بعنوان التعبّد أو لم يكن كما يكون
الأمر كذلك في التوصّلي و شككنا و لومن جهة فتوى جماعة في أنّ المقصود
التعبّد بإيجاده و لو في ضمن أمرين أو التعبد بإيجاده متميّزا عن غيره فلا
بدّ من الالتزام بالأخير تحصيلا للقطعبإتيان ما هو غرض المولى نعم
استدلاله دام ظلّه على ذلك بأصالة عدم سقوط الغرض الدّاعي محلّ تأمّل لأنّ
حكم العقل بوجوبتحصيل القطع مترتّب على نفس الشّك لا على مجرى الأصل
المذكور فلا معنى لإجرائه كما لا يخفى و بالجملة ما ذكره دام ظلّه العالي
راجع إلىما ذكرنا سابقا كما أنّ قوله و ليس هذا تقييدا في دليل تلك
العبادة إلى آخره يرجع إليه أيضا من حيث إنّ الشّك المفروض إنّما يرجع
إلىالشك في أخذ الشارع خصوصيّة في كيفية الإطاعة لا في أصل المأمور به و
من المعلوم أنّ هذا الشّك لا يرجع في رفعه إلى إطلاق العبادةضرورة أنّه
إنّما ينفع لنفي الخصوصيّات الّتي يشك في أخذها في المأمور به و أمّا
الخصوصيات المعتبرة في الإطاعة فلا إذ هي متأخّرة عن الأمرفكيف يمكن نفي
الشّك عنها به و هذا أمر واضح لا سترة فيه أصلا و أمّا الرّجوع إلى إطلاق
ما دلّ على وجوب إطاعة اللّه في أوامره فلا يجوزأيضا على ما عرفت لأنّه
مسوق لبيان أصل وجوب الإطاعة أي المهملة لا لبيان كيفيتها كما لا يخفى مع
أنّ للإطاعة الواجبة به معنى تجري في التوصّلياتأيضا فلا معنى للتمسّك به
في المقام هذا فيما يتعلّق بجواز الاكتفاء بالاحتياط في مقابل الامتثال الظّني بالظّن الخاصّ فيما يتوقّف على التّكرار
نعم
لا إشكال كما عرفت سابقا في أنّه على تقدير الشّك فيما يحصل به الإطاعة و
دورانه بينما يحصل به الإطاعة يقينا و ما يشكّ في حصول الإطاعة به لا بدّ
من الأخذ بالطّريق اليقيني ففي المقام لو أراد المكلّف الاحتياط في العبادة
علىهذا الفرض لا بّد من أن يأتي أوّلا بما هو مقتضى الظّن الخاصّ من
الاجتهاد أو التّقليد متميّزا عن غيره ثمّ يأتي بالمحتمل الآخر بقصد القربة
المطلقةعلى تقدير إيراث حسن الاحتياط عقلا و شرعا التّقرب المسوّغ لقصده
في العمل المأتي به بعنوان الاحتياط إذ المفروض عدم وجوبه عليه ظاهرابعد
الرّجوع إلى الظن المعتبر في تعيين المكلّف به لو سلّم كون الوجوب الظّاهري
المسبّب عن الاحتياط مسوّغا لقصده و منه يندفع توهّم أنّ هذا النّحومن
الاحتياط مخالف للاحتياط لاستلزامه الإخلال بقصد الوجه في المحتمل المأتي
به أخيرا لأنّ المفروض احتمال وجوبه أيضا توضيح الاندفاعأنّ قصد الوجه لا
يجوز بل لا يمكن على وجه إلاّ بعد إحراز الوجه إمّا واقعا أو ظاهرا و
المفروض انتفاؤهما في المقام فكيف يقصد الوجوب فيإتيان المحتمل الآخر مع
أنّه تشريع محرّم بالأدلّة الأربعة و بالجملة
القول باشتراط قصد الوجه في صحّة العمل حتّى في الفرض و أمثاله
مستلزمللقول بعدم مشروعيّة الاحتياط في الشّريعة في غير مورد الحكم بلزومه
رأسا لأنّ المفروض عدم إمكان إحرازه فهو نظير القول بشرطية
المطلقةللطّهارة للصّلاة مثلا فإنّ لازمه القول بعدم مشروعيّة الصّلاة
لفاقد الطّهورين و هذا ممّا يرغب أهل العلم عنه و لم يلتزم به أحد ممّن
قالبشرطيّة قصد الوجه إلاّ أبو المكارم في بعض كلماته لا يقال
هب أنّه لا يتمكّن من قصد الوجوب لعدم ثبوته واقعا و لا ظاهرا لكنّه
يتمكّن من قصدالاستحباب فليأت به على هذا الوجه بناء على القول بشرطيّة قصد
الوجه إذ القول المذكور لا يختصّ بالواجبات لأنّا نقول
قصد الاستحبابكقصد الوجوب يحتاج إلى ثبوته واقعا أو ظاهرا و المفروض عدم
ثبوته على الوجه الأوّل و أمّا على الوجه الثّاني فهو غير ثابت أيضا لما
ستقف عليهفي الجزء الثّاني من أنّ رجحان الاحتياط و أوامره لا يثبتان
الاستحباب الشّرعي و ممّا ذكرنا كلّه تعرف المراد من قوله دام ظلّه و حينئذ
فلا ينبغي بل لا يجوز تركالاحتياط إلى آخره أي بعد فرض الشّك المقتضي
لعدم جواز الاحتياط و إلغاء الظّن لا يجوز للمكلّف إن أراد التكرار و
الاحتياط أن يترك الاحتياطاللاّزم عليه بمقتضى الدّوران المفروض و عدم تركه
يحصل بأن يحصل الواقع أوّلا بظنّه المعتبر ثمّ الإتيان بالمحتمل الآخر
قربة إلى اللّه تعالى علىما عرفت فلا تنافي بين كلامه هذا و ما ذكره سابقا
من استظهار جواز سلوك الاحتياط لأنّ كلامه هذا إنّما هو مفروض على تقدير
الدوران