من كلامه في تلك المسألة في الجواب الحلّي عن الوجه الثّاني للقول
بالتّفصيل في حجيّة حكم العقل بين الضّروري و النّظري حيث قال بعد جملة
كلام لهما هذا لفظه فإنّ حجيّة العلم و الانكشاف ضروريّة فطريّة و ليست
نظريّة حتّى يتطرّق القدح إلى كلّيّة كبراه بما ذكر انتهى كلامه رفع في
الخلدمقامه فتأمّل
فغرضه قدّس سرّه ممّا ذكره إمكان منع الشّارع من العمل بالقطع بجهة من
الجهات بالإمكان الذّاتي في القطّاع و غيرهبحسب نفس الأمر إلاّ أنّ توجيه
هذا المنع إلى القطاع إنّما يصحّ فيما إذا كان ملتفتا إلى القضيّة التي
ذكرناها قاطعا بالمنع في حقّ القطّاع أو محتملا ومجوّزا لوروده في حقّه و
إن كان يحكم بحجيّة القطع عند الاحتمال ظاهرا ما لم يثبت المنع فلا تنافي و
تناقض بين تصحيح النّهي في صورة الاحتمال و الحكمبحجيّة القطع في مرحلة
الظّاهر فتأمل هذا ثمّ
إنّ مراده من استقلال العقل بالحجيّة الظّاهريّة و وجهه ما ذكره قبل ذلك
عند الكلام فيتحقيق ما اختاره في مسألة التّلازم حيث قال و لنا على المقام
الثّاني أنّ احتمال كون التكليف أو حسنه مشروطا ببلوغه بطريق سمعيّ مع
إمكان دعوىكونه مقطوع العدم في بعض الموارد ممّا لا يعتدّ به العقل في
إهمال ما أدركه من الجهات القطعيّة بظهور أنّ الاحتمال لا يعارض اليقين لا
سيّما إذا كانبعيدا و ليس في السّمع ما يدلّ على هذا الاشتراط لما سنبيّنه
من بطلان ما تمسّك به الخصم و عدم قيام دليل صالح له سواه و يدلّ عليه
ظاهرقوله تعالى يَأْمرهُمْ بالمعرُوفِ وَ ينهاهم عَنِ المُنْكَرِ و يحلّ لهم الطّيباتِ و يُحرّم عليهم الخبائث
و غير ذلك ممّا يأتي و من هنا يتّضح أنّه لو جهل العقلجهات التكليف و
أدرك جهات الفعل حكم في الظّاهر بثبوت التّكليف عملا بعموم الآيات و ما في
معناها من الأخبار و لأنّ قضيّة جهات الفعلوقوع التّكليف على حسبها إن لم
يعارضها مانع و لا يكفي احتماله إذ المحتمل لا يصلح في نظر العقل المعارضة
المقطوع به و قريب منه ما لو أدرك العقلبعض جهات الفعل المقتضية لحسنه أو
قبحه و شكّ في وجود جهة قد تعارض تلك الجهة فإنّه يحكم بثبوت التكليف على
حسبها و لا يعتدّ باحتمالالجهة المعارضة إمّا لأصالة عدمها أو لحكم العقل
بقبح الفعل أو التّرك و الحال هذه حكما واقعيّا و إن كان مبناه على الظّاهر
و لهذا يستحق الذّم عليهفي حكمه و إن انكشف بعده وجود الجهة المعارضة فيه
فإنّ ارتكاب القبيح الظّاهري قبل انكشاف الخلاف قبيح واقعي كالحرام
الظّاهري أ لا ترى أنّ من علمبوجود السمّ في أحد الإناءين فتجرّى على
تناول أحدهما من غير ضرورة مبيحة أنّه يستحق الذّم بذلك عقلا و إن تبيّن
بعد ذلك أنّ الّذي تناوله لا سمّفيه انتهى ما أردنا نقله من كلامه فتبيّن
منه أن مراده من حكم العقل بالحجيّة ظاهرا مع احتمال المنع الشّرعي حكم
العقل بالحجيّة بالنّظر إلى ظاهرالآيات و الأخبار فتأمل أو بالنّظر إلى
أصالة العدم الّتي هي حجة عقلا فتأمل فالتّسمية بالظّاهريّة على أحد
الوجهين بمعناها المعروف أو بالنّظر إلى عدمصلاحيّة مزاحمة الجهات
الواقعيّة المجهولة عند العقل و إن كانت محتملة للجهات المعلومة الظّاهرة
الواضحة نظرا إلى أنّ معروض الحسن والقبح العقليّين العناوين المعلومة لا
الواقعيّة النّفس الأمريّة حسبما عرفت تفصيل القول فيه و هذا و إن كان
منافيا لما حكاه الأستاذالعلاّمة قدّس سرّه عنه في مسألة التجري إلاّ أنّه
وجيه بالنّظر إلى ما عرفته من شيخنا قدّس سرّه و منّا في تحقيق المقام في
تلك المسألة فالتّسميةبالظّاهريّة على هذا الوجه ليست مبتنية على معناها
المعروف كما لا يخفى إلاّ بتكلّف أن حكم العقل على هذا الوجه أيضا في موضع
الجهل بالواقع و احتمالالمنع الواقعي المانع على تقدير العلم به فتدبّر
هذا بعض الكلام في توضيح مرامه قدّس سرّه في هذا المقام و من التّأمل فيه
يظهر لك عدم توجّهكثير ممّا يورد عليه ممّا عرفت الإشارة إليه و غيره حتى
إيراد التّناقض بين قوله فإنّ هذا إنّما يصحّ إلى آخره و بين قوله لكن
حينئذ يستقلّ العقل إلى آخرهفتأمل نعم يتوجّه عليه أمور أحدها
عدم إمكان تعلّق الجعل بالقطع عقلا و شرعا بحيث يكون هناك غير المعلوم
قضيّة أخرى عقليّة أو شرعيّةيكون القطع موضوعا لها حسبما هو معنى جعل القطع
حجّة على ما عرفته مرارا من أوّل المقصد إلى هنا في القطع الطّريقي حسبما
هو معنى الجعل في الظّنو إلى هذا أشار شيخنا الأستاذ العلاّمة قدّس سرّه
بقوله و أنت خبير إلى آخره و من هنا ذكره في قبال من ذهب إلى الإجزاء في
حقّ الجاهل المركّب في مسألةالإجزاء أنّه لا يتصوّر هناك أمر في حقّ الجاهل
حتى يقال إنّ سلوكه و امتثاله يقتضي الإجزاء حسبما قيل في سلوك الظّن
المعتبر ثانيها
أنّ جهات التّكليفراجعة عند التّحقيق إلى جهات المكلّف به حسبما حقّقناه في مسألة الملازمة ثالثها
أنّ الحكم باستقلال العقل في الحكم بالحجيّة ظاهرا بالنّظر إلى
ظواهرالآيات و الأخبار أو بالنّظر إلى أصالة العدم ممّا لا معنى له فإنّ
احتمال المنع إن كان مانعا من استقلال العقل فلا يجدي حكم الشّارع بعدمه في
مرحلةالظاهر في حكم العقل حيث إنّه ليس من الأحكام الشّرعيّة المجعولة و
إن لم يكن مانعا كما هو مقتضى ما ذكره أخيرا فلا معنى للتمسّك بالوجهين كما
لا يخفىفتدبّر رابعها
أنّ المثال الّذي ذكره تقريبا لصحّة تعلّق المنع بالعمل بالقطع أجنبيّ
عمّا نحن فيه فإنّ المنع فيه يرجع إلى المنع عن الخوض في المقدماتلا إلى
المنع عن العمل بالقطع كما لا يخفى و هذا هو المراد ممّا أورده عليه شيخنا
الأستاذ العلاّمة قدّس سرّه اللّطيف في الكتاب بقوله و العجب أنّ
المعاصرمثّل إلى آخره فمراده قدّس سرّه التّمثيل لمورد صحّة النّهي لا لقطع
القطّاع حتّى يتوجّه عليه بأنّ المعاصر ذكر هذا الكلام تقريبا لصحّة تعلّق
النّهي عن العملبالقطع لا لقطع القطّاع فتأمل هذا خامسها
أنّ ما ذكره في تقريب كلام بعض المحقّقين في قطع القطّاع مبنيّا على ما أفاده قدّس سرّه في حكم