أيضا، فإنه لا يكون إلا بعد إحراز المفهوم، و صدقه على المشكوك، و المفروض عدم إمكان إحرازه بالعرف و إنما سبيله منحصر في الأدلة الشرعية، فإذا شك في اعتبار شيء فمعناه عدم تحصيل المفهوم من الأدلة الشرعية فهو موجب للشك في المفهوم، و صدقه على الفرد المشكوك.
نعم القدر المتيقن من مصاديقها معلوم، و هو لا يكفي فيما ذكر.
و لو قيل: إنا نعلم مفاهيم تلك الألفاظ بوجه من وجوهها، ككونها صحيحة أو مأمورا بها أو مقرّبة، و غير ذلك من الوجوه، و كذلك، العرف يعرفون ذلك، فلم لا يجوز التمسك بإطلاقها، و لا يجوز الرجوع إليهم في تشخيصها؟
قلنا: إن معرفتها بوجه من تلك الوجوه حقيقة في معنى الإجمال، فإنها عناوين منتزعة من المفهوم المجمل، حيث إنّا نعلم أنه متصف بتلك الصفات، فلذا لا يكفي العلم في تشخيص مصاديقها، و صدقها عليها، بل معرفة المصاديق حينئذ أيضا متوقفة على الرجوع إلى الأدلة الشرعية.
هذا بخلاف ألفاظ المعاملات، فإنها لما كان وضعها لغويا أو عرفيا، و يكون معانيها مما يمكن تشخيصها بالعرف، كسائر الألفاظ اللغوية و العرفية، فيجوز الرّجوع إليهم في معرفتها، ثم التمسك بإطلاقها على نفي ما يحتمل اعتباره شرعا، فإن اعتبار الشارع أمرا في مفاهيمها في مقام الحكم، بأن يقيدها حينئذ باعتبار بعض الأفراد لا يوجب التصرف في وضعها كما عرفت، و لا يمنع عن صدقها على مصاديقها العرفية، بل يوجب تقييدها و تخصيصها في الحكم الّذي حكم به عليها، من الحل أو الحرمة، و إخراج بعض المصاديق عن ذلك الحكم، فلا يكون الشك في اعتبار شيء شرعا منشأ للشك في تلك المفاهيم، أو في صدقها على بعض المصاديق العرفية [1]، فيكون حال تلك الألفاظ إذا وقعت في حيز الأحكام الشرعية حال سائر الألفاظ اللغوية و العرفية في عدم كون الشك في اعتبار أمر زائد منشأ للشك في المفهوم، أو في صدقه على بعض المصاديق العرفية، كلفظ الغسل مثلا حيث انه موضوع لغة و عرفا.
[1] نعم لو شك في اعتبار شيء عرفا في صحّة بعض المصاديق فهو موجب للشك في المفهوم، لكنّ الإشكال من جهة الشك في اعتبار شيء شرعا. لمحرّره عفا اللّه عنه.