الوجه الثاني :
الرجوع إلى الاستصحاب في إثبات وجوب الباقي ، ومعه لا مجال لجريان البراءة منه ،
لتقدم الاستصحاب على البراءة ـ كما حقق في محله ـ.
وقد قرّر
الاستصحاب بوجوه عديدة :
الأول : ما ذكره
الشيخ رحمهالله وصاحب الكفاية ، وهو استصحاب كلي الوجوب الثابت سابقا للاجزاء المقدورة ، فان
الباقي كان معلوم الوجوب لتعلق الوجوب الغيري به ، وهو وإن زال بزوال وجوب الكل ،
لكن يحتمل تعلق الوجوب النفسيّ به فيكون سببا للشك في بقاء الوجوب الجامع فيستصحب.
وأورد عليه :
أولا : بأنه يبتني
على تصحيح القسم الثالث من استصحاب الكلي ، وهو ما إذا كان الشك في بقاء الكلي
ناشئا من الشك في حدوث فرد آخر ، مع العلم بزوال الفرد السابق الّذي حدث به الكلي.
والتحقيق على بطلانه ، إلا إذا كان الفرد الحادث المشكوك يعد عرفا من مراتب الفرد
السابق لا مباينا له ، كالشك في تبدل السواد إلى مرتبة أضعف منه مع العلم بزوال
مرتبته الحادثة أولا. وليس الاختلاف بين الوجوب الغيري والوجوب النفسيّ في الشدة
والضعف ، بل هما متباينان عرفا.
وثانيا : انه
يبتني على تعلق الوجوب الغيري بالأجزاء ، وقد ثبت امتناعه ، كما مرّ في مبحث
المقدمة الداخلية والخارجية من مسألة مقدمة الواجب.
وثالثا : بان
الجامع بين ما لا أثر له عقلا في مقام الإطاعة وما له الأثر لا ينفع إثباته في
الحكم بلزوم الإطاعة عقلا. والأمر كذلك في الوجوب الجامع بين النفسيّ والغيري ، إذ
الوجوب الغيري ـ كما مر تحقيقه ـ مما لا إطاعة له ولا امتثال ، فاستصحاب الجامع لا
يجدي فيما هو المهم من لزوم الإتيان بالباقي عقلا ، ولزوم الخروج عن عهدة التكليف
به ، فإثبات كلي الوجوب يكون بلا أثر عملي ، فيكون لغوا.