أنك عرفت انه لا تمكن موافقة ومخالفة العلم الإجمالي قطعا ،
والموافقة الاحتمالية والمخالفة كذلك قهرية الحصول. وعليه نقول :
أما جريان البراءة
شرعا ، فقد يقرب ـ كما أشار إليه في الكفاية ـ : بان كلا من الوجوب والحرمة مجهول
، فيعمه حديث الرفع ونحوه مما دل على رفع الحكم عند الجهل به [١].
وقد ذهب المحقق
النائيني رحمهالله إلى نفيه لوجهين :
الأول : ان الحكم
الظاهري لا بد له من أثر شرعي وإلا لكان لغوا ، وجعل البراءة فيما نحن فيه لا أثر
له بعد عدم خلو المكلف من الفعل أو الترك قهرا ، لحكم العقل بالترخيص والتخيير بين
الفعل والترك.
الثاني : ان رفع
الإلزام انما يصح في المورد القابل لوضعه بجعل الاحتياط ـ كما تقدم بيانه في حديث
الرفع ـ ، وفي ما نحن فيه لا يتمكن الشارع من جعل الاحتياط لعدم التمكن من
الاحتياط ، فلا معنى لرفع التكليف [٢].
كما ان المحقق
الأصفهاني رحمهالله نفي البراءة الشرعية بدعوى : ان ظاهر أدلة البراءة كونها في مقام معذورية
الجهل وارتفاعها بالعلم ، فما كان تنجزه وعدمه من ناحية العلم والجهل كان مشمولا
للغاية والمغيا ، وما كان من ناحية التمكن من الامتثال وعدمه فلا ربط له بأدلة
البراءة ، وما نحن فيه من الثاني لعدم القصور في العلم ، وانما القصور من جهة عدم
التمكن من امتثال الإلزام المعلوم. فلاحظ [٣].
أقول : أما محذور
اللغوية في جريان البراءة الشرعية ، فهو محذور عام يقال في جميع موارد البراءة
لفرض حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان وعدم لزوم
[١] الخراسانيّ
المحقق الشيخ محمد كاظم. كفاية الأصول ـ ٣٥٥ ـ طبعة مؤسسة آل البيت عليهمالسلام.
[٢] المحقق الخوئي
السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ٢ ـ ٢٣٢ ـ الطبعة الأولى.
[٣] الأصفهاني
المحقق الشيخ محمد حسين. نهاية الدراية ٢ ـ ٢٣٦ ـ الطبعة الأولى.