منها و لو بقرينة الحكمة جواز الإفتاء عن علم. و قد ذكرنا الآن أن جواز الإفتاء يلازم جواز العمل به عرفا، و لا يقاس ذلك بالأمر بإظهار الحق و النهي عن كتمانه كما لا يخفى.
و (منها)- قول الرضا عليه السلام بعد ما سأله المسيب الهمداني و قال:
«شقتي بعيدة و لست أصل إليك في كل وقت، فممن آخذ معالم ديني؟: «من زكريا ابن آدم القمي المأمون على الدين و الدنيا».
و (منها)- قوله عليه السلام أيضا: «نعم» في جواب عبد العزيز المهتدي حيث سأله عليه السلام و قال: إن شقتي بعيدة، فلست أصل إليك في كل وقت، فآخذ معالم ديني عن يونس مولى آل يقطين؟ و نحوها غيرها مما يدل على جواز رجوع الجاهل إلى العالم. نعم منع الأئمة عليهم السلام عن الرجوع إلى من كان دأبه- في استنباط الأحكام الشرعية- استعمال الاستحسانات و الأقيسة، و غيرهما من الظنون غير المعتبرة، كما ذكرناه سابقاً.
و قد استدل على عدم جواز التقليد بالآيات الناهية عن العمل بغير العلم، و بما دل على التوبيخ على التقليد، كقوله تعالى: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللَّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا ... إلخ و لكن قد ذكرنا في البحث عن حجية خبر الواحد: أن ما دل على النهي- عن اتباع غير العلم من الآيات و الروايات- لا يشمل العمل بما ثبت كونه حجة و علماً في نظر الشارع. و أما مثل قوله تعالى: (و إذا قيل لهم ... الآية) فهو أجنبي عن المقام، فان الكلام في رجوع الجاهل إلى العالم لا إلى مثله، كما هو المفروض في الآية بقرينة ذيلها و هو قوله تعالى:
أَ وَ لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ مضافاً إلى أن بعض تلك الآيات