القول الثالث: إنّ معنى الحرف يباين بالذات معنى الاسم، فالاسم معناه الأفراديّ كامل، بخلاف الحرف فإنّه متعلق الذات بغيره، و هو الحقّ الحقيق بالتصديق، يشهد له التبادر الأصيل في أذهان أهل كلّ لغة.
إلّا أنّ بين أصحاب هذا القول أيضا في حقيقة هذا المعنى المتعلق الذات بالغير خلافا من وجهين: من حيث الحكائية و الإيجادية، و من حيث العموم و الخصوص.
1- فسيّدنا الاستاذ الإمام الراحل [1] و المحقّق الأصفهاني [2] «(قدّس سرّهما)» و بعض آخر قالوا: بأنّ مفاد أكثر الحروف هي النسب الخارجيّة تحكي الحروف عنها، و حقيقة النسبة وجود رابط مندكّ في الطرفين لا استقلال له بالمفهوم، فلا ماهية له، فإنّ ثبوت الماهية ملازم للاستقلال الوجودي، فمعنى الحروف في الغالب جزئي حكائي، و في بعض الموارد- كحرف النداء- جزئي إيجادي.
أقول: إنّ حكائية غالب الحروف ممّا لا ينبغى الشكّ فيها، فإنّه لا ريب في أنّه اذا قيل: «سار زيد من البصرة الى الكوفة» فكما أنّ السير و زيدا و البصرة و الكوفة تحكي عن الفعل و الأشخاص الخارجيّة فهكذا «من» و «الى» أيضا تحكيان عن الربط الخاصّ الواقع بين سير زيد و بين البلدين، و الشخص و البلد أمران خارجيان، و هكذا خصوصيّاتهما، و الحرفان يحكيان عن خصوصيّاتهما. و هو من الوضوح بمكان لا يحتمل أحد من أهل اللسان ممّن لم يشب ذهنه بالشبهات المدرسية خلافه، و سيأتي- إن شاء اللّه- اندفاع هذه الشبهات.
و أمّا أنّ هذه النسب الخارجية وجودات رابطة متحقّقة في الخارج مندكّة في أطرافها فهو ممّا لا يمكننا تصديقه، و ذلك أنّه لا ريب في أنّ لأطراف النسبة حدّا وجوديّا، و وجودا هو وجودها، فالنسبة إن كانت واقعيّة داخلة في هذا الحدّ الوجوديّ فالمفروض أنّه وجود لأطرافها لا لها و إن كانت النسبة واقعية زائدة عن