و إن علم بسقوط التكليف عنه بالاستنابة و التسبيب، و مع ذلك احتمل أن لا يكلّف بالطبيعة الجامعة إلّا عند قدرته على المباشرة فاذا عجز فلا محالة يشكّ في توجّه التكليف، و حكمه الرجوع الى البراءة الشرعية و العقلية.
إطلاق الدليل هل يقتضي اعتبار الاختيار؟
الموضع الثاني: هل مقتضى إطلاق الهيئة أو الاصول العملية- عند فقده- هو اعتبار الاختيار في المكلّف به أم لا؟
و تنقيح المقال: أنّ الاختيار تارة يراد به ما يقابله الإكراه، و تارة يراد به المعنى المعتبر في صحة التكليف؛ فيقابله حينئذ ما اذا لم يصحّ التكليف لفقد الإرادة و الاختيار، سواء لم يكن العمل بحيث يصحّ نسبة صدوره اليه، كحركة يد المرتعش، أو كان بحيث صحت النسبة لكن لم يكن اختيار؛ و له صور كثيرة:
فتارة يقع من غير توجّه أصلا كما يفعله النائم.
و اخرى يقع منه خطأ كما لو رمى طائرا فلغزت يده و أصاب إنسانا مثلا.
و ثالثة يقع مع الغفلة عنه رأسا؛ كما لو أراد المشي الى مكان فأصاب رجله إناء فكسره.
و رابعة يترتّب على فعله المراد مع جهله بترتّبه؛ كما لو رمى طائرا فأصابه و أصاب الطائر عند وقوعه آنية فكسرها.
و خامسة يفعله سهوا؛ كما لو أراد ضرب ولده فذهل عنه و ضرب على آنية فكسرها.
و سادسة يفعله للاشتباه في التطبيق؛ بأن أكرم رجلا بتخيّل أنّه زيد فبان عمرا.
و الجامع بين جميع الصور الستّ- بعد اشتراكها في صدور العمل بلا اختيار بحيث لا يصحّ توجيه التكليف الى خصوص هذه الحالات بحكم العقل- صحة انتساب الفعل فيها الى المكلّف.