ثم إن علية الإرادة و جزئيتها للعلة التامة، تابعة لكيفية تعلقها بالمراد، و هذا لا ينافي ما ذكرناه، و عليه بناء الواجب المعلق في الأصول. و به يندفع الإشكال المعروف في المعقول: «من أن إرادة الرب أزلية، فكيف يوجد المراد فيما لا يزال؟!» و التفصيل في محله [1].
الخامس: حول إشكال اختيارية الإرادة و اضطراريتها
من المباحث المتعلقة بالإرادة: أنها هل هي اختيارية، أو اضطرارية، و أن النّفس توجدها على أن تكون فاعلها بالاختيار، أو هي توجدها على أن تكون علتها الطبيعية و الإلجائية؟
و على التقديرين يلزم إشكال، فإنها إن كانت اختيارية، فقد سبق أن قلنا: إن الأفعال الاختيارية مسبوقة بالإرادة، فلا بدّ من إرادة أخرى سابقة عليها، فيتسلسل.
و إن كانت توجد قهرا عليها، فتكون النّفس مضطرة إليها، فلا يكون الفعل الصادر و الحركة المستعقبة لها، من الفعل الاختياري، لما قد سبق: أنها الجزء الأخير من العلة التامة، أو قد سبق: أن ميزان اختيارية الفعل الصادر اختيارية الإرادة، ضرورة أنه بعد تحققها فلا اختيار له بعد ذلك.
و هذا لا ينافي الاختيار لما أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار، فلا يلزم من هنا إشكال على قاعدة «إن الشيء ما لم يجب لم يوجد» كما لا يخفى عليك إن كنت من أهل الفن.
ثم إن القوم في تقرير هذه المسألة توهموا: أن الشبهة ينجر ذيلها إلى إرادة اللَّه تعالى، و أن الإشكال لا يمكن أن يحرر إلا بإرجاع الإرادة في السلسلة الطولية، إلى
[1]- الحكمة المتعالية 6: 314 و 348 و 379، و 7: 282 و 332.